لا يمكن الجزم بأن اللقاء الذي تم بين السيد محمود عباس وجون كيري قد انتهى دون نتائج، وذلك لأن حديث المسئولين الفلسطينيين الذين حضروا الاجتماع يشير إلى جملة من المطالب التي قدمها السيد عباس إلى جون كيري، وهو ينتظر أن تبدأ إسرائيل من جانها خطواتها الفعلية على الأرض، بما في ذلك العودة إلى حالة السابقة، حالة ستاتيكو التي صارت مطلباً فلسطينياً.
فما ملخص المطالب الفلسطينية التي تحدث عنها أعضاء الوفد الذين شاركوا في اللقاء؟ وهل تتقاطع تلك المطالب مع طموحات الشعب الفلسطيني، والتضحيات التي قدمها الشباب؟
1- الحفاظ على الوضع القائم التاريخي في مدينة القدس.
وهنا نسأل بجرأة: هل الوضع القائم لمدينة القدس المحتلة منذ سنة 67، هو الوضع التاريخي للمدنية المقدسة؟ وماذا عن تاريخ القدس قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ هل صار نسياً منسياً بالنسبة للقيادة الفلسطينية؟ أم جاء ذلك متوافقاً مع خطاب بان كي مون الذي استخدم لفظة جبل الهيكل بدلاً من الحرم القدسي الشريف؟ الفلسطيني يجب أن يكون دقيقاً في التعبير.
2- وقف اعتداءات المستوطنين.
وهذا المطلب الساذج فيه تراجع فلسطيني مهين عن الثوابت الوطنية، إذ كيف يصير الطلب بوقف اعتداءات المستوطنين، وكان المطلب السابق للانتفاضة هو وقف التوسع الاستيطاني، وكان المطلب الأسبق لوقف التوسع الاستيطاني هو إزالة المستوطنات، فهل تشهد كل انتفاضة مزيداً من التنازلات؟ وهل صار المستوطنون مكوناً رئيساً من مكونات حياة الناس في الضفة الغربية؟
3- الاعتراف الإسرائيلي بالاتفاقيات الموقعة.
هذا المطلب الفلسطيني الساذج يعود بنا إلى المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو التي انتهت في مايو 1999، والتي سبقها إسحق رابين بالقول: إن المواعيد غير مقدسة. وقد انتهى زمن المرحلة الانتقالية، ولما تزل قائمة حتى يومنا هذا.
فإذا كان المطلب الفلسطيني هو إلزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة، فإن الواجب يقضي بأن تلتزم السلطة الفلسطينية نفسها بالاتفاقيات الموقعة، وأن تعلن انتهاء المرحلة الانتقالية، والبدء الفعلي في تطبيق المرحلة الدائمة؛ التي تأخرت ستة عشر عاماً، على القيادة أن تطبق قرار الأمم المتحدة الصادر سنة 2012، والذي اعترف بدولة فلسطين بصفة مراقب.
4- الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود سنة 67.
وهذا المطلب الفلسطيني يفضح ضعف القيادة التي تبدي تلهفاً للعودة إلى طاولة المفاوضات من خلال المؤتمر الدولي، ولاسيما أن التجربة الفلسطينية المكثفة في المؤتمرات الدولية تؤكد الفشل، ولنا بخارطة الطريق سنة 2002 شاهد، ولنا بمؤتمر أنابولس سنة 2007 خير دليل، وما تلى ذلك من لقاءات ومؤتمرات.
5- فتح تحقيق بمجلس حقوق الإنسان، لأن الفلسطينيين لا يثقون بالرواية الإسرائيلية.
وهنا نسأل عن نتائج لجان التحقيق في الحرب الأخيرة على غزة؟ ونتائج لجان التحقيق في بناء جدار الفصل العنصري؟ ونتائج تقرير جولدستون؟ أين ذهبت نتائج التحقيق تلك وغيرها منذ سنة 1929، حين ظهرت نتائج لجنة التحقيق في أحداث البراق؟
وهل كان جون كيري بحاجة إلى خمسة أقراص مدمجة، ليتعرف على بشاعة الإرهاب الإسرائيلي؟ أم أن كيري وأمريكا في غفلة عن العدوان الإسرائيلي الذي تزوده أمريكا بأحدث الأسلحة، وترعاه بالدعم الدولي؟
6- طلب الحماية الدولية، وهذا من حق الشعب الفلسطيني، ولكن السؤال الذي يطرحه شاب الضفة الغريبة هو: إذا كنا في فلسطين بحاجة إلى حماية دولية، فما حاجتنا إلى عشرات آلاف المجندين ضمن الأجهزة الأمنية؟ أم أن هؤلاء مكلفون بحماية المستوطنين؟
إن ما يهدف إليه جون كيري هو التخفيف من معاناة أصدقائه الإسرائيليين، وهذا الهدف يصطدم بالرفض الشعبي، ولا يقبل به شاب الانتفاضة، لأن الفلسطيني الذي تاه أكثر من عشرين عاماً خلف طاولة المفاوضات، لن يقبل على نفسه أن يتوه ثانية، ويهدئ من اندفاعه نحو الحرية مهما كانت الحيل الأمريكية والإسرائيلية.