شمس نيوز / عبدالله عبيد
مدينة الخليل، أو "خليل الرحمن" رسمت في الأسبوعين الماضيين وما زالت، أروع أنواع التضحيات والبطولات في انتفاضة القدس الثالثة، في ظل تعرضها لأبشع حملات التهويد والسيطرة والتقسيم والهيمنة، بل والمصادرة والتملك من قبل المستوطنين الإسرائيليين الأكثر تطرفا في العالم.
لم يتفاجأ جيش الاحتلال (الإسرائيلي) من كثافة عمليات الطعن في الخليل، لكن ذلك لا ينفي أنه كان بالتأكيد متخوفا من التحاق المدينة بانتفاضة القدس، تلك المدينة الأكبر مساحة في فلسطين، خصوصاً وأن المستوطنين يتواجدون في قلبها على خلاف باقي مدن الضفة المحتلة، التي يقل فيها الاحتكاك بفعل الخطوط والحواجز الفاصلة.
وفي ظل اشتداد موجة انتفاضة السكاكين في مدينة القدس المحتلة حيث مسقط رأس هذه الانتفاضة، إلا أنه كان لا بد أن تنتقل المواجهة إلى مدينة أخرى كالخليل، لتشابك المستوطنين مع السكان الأصليين، بحسب ما أكده مراقبون في أحاديث منفصلة مع "شمس نيوز"، منبهين إلى أن مدينة الخليل ذات ثقل إسلامي ووازع ديني جعلها مختلفة عن غيرها من المدن الفلسطينية، وهو ما برز في الانتفاضة الحالية.
وكان (آفي سيخاروف) معلق الشؤون العربية في موقع "والا" العبري، قال: إن الاحتكاك المباشر مع اليهود المتطرفين الذين يقيمون في الجيوب الاستيطانية المقامة في قلب المدينة يعدّ أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني في الخليل لتنفيذ عمليات.
بينما كشف عاموس هرئيل في مقال له بصحيفة هآرتس أن أحد أوائل الأمور التي يتعلمها كل قائد لواء جديد في الجيش (الإسرائيلي)، والذي يتولى منصبه في هذه المنطقة، بأن ساعة الخليل تعمل متأخرة، "حيث أن المدينة تنتبه للرد على التطورات في المناطق في وقت متأخر، لكنها تقوم بذلك بقوة أشد مقارنة بمدن أخرى، وهذا ما يحدث في الخليل في الأيام الأخيرة".
أكثرهم تطرفاً
الخبير في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي يرى أن انتقال موجة المواجهة من مدينة القدس إلى الخليل؛ سببه وجود مجموعة كبيرة من المستوطنين المتطرفين الذين يعيشون في قلب الخليل ويعيثون فيها فساداً وخراباً، منوهاً إلى أن المستوطنين بالخليل من أكثر الجماعات اليهودية تطرفاً في كل إسرائيل وحتى بالعالم.
وقال الهندي لـ"شمس نيوز": يوجد في الخليل أيضاً أعداد هائلة من حرس الحدود والشرطة والجيش الإسرائيلي لحراسة هؤلاء المستوطنين"، موضحاً أنها ثكنة عسكرية مدججة بالسلاح، " حيث يوجد فيها نحو أربعة آلاف مستوطن يحرسهم خمسة آلاف جندي".
وأضاف: تعتبر الخليل من أكبر المدن الفلسطينية من حيث المساحة والسكان، لذلك هناك احتكاك مع المستوطنين واستفزاز متواصل وإغلاق للمتاجر واعتداء على الحرمات، وهذا خلق حالة من الحقد لدى أهلها للانتفاض في وجه الاحتلال"، مشيراً إلى أن هذا العامل مهم في انفجار الوضع بالخليل.
وأوضح الخبير في الشأن الإسرائيلي، أن إسرائيل أرادت أن تستبق الأحداث بمدينة الخليل كما في القدس، "وشنت حملة من الإعدامات الميدانية"؛ لافتاً إلى أن تلك الإعدامات رسالة موجهة للفلسطينيين، بأنها لن تسمح بانتفاضة شعبية بأي شكل من الأشكال، وإنما ستتعامل مع أي حدث فلسطيني مهما كان على أنه عمل إرهابي يتطلب المواجهة المسلحة.
وتسيطر (إسرائيل) على حوالي 20% من مساحة المدينة بحسب اتفاق إعادة الانتشار في الخليل، لكن السلطة الفلسطينية تتحمل إدارة الشؤون المدنية فيها.
وكان المعلق العسكري "رون بن يشاي" أشار إلى أن أهالي الخليل يعدّون الأكثر تديناً من بين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهو ما أسهم، بحسب اعتقاده، في توفير البيئة لجعل الخليل المدينة التي تتبوأ مكان الصدارة، من حيث العمليات.
مركز الثقل
المحلل السياسي، د. عثمان عثمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية، أكد أن مركز الثقل الأساسي في الانتفاضة خلال الفترة الراهنة هو مدينة الخليل، مشيراً إلى وجود الاستيطان الكثيف، والتشابك بين السكان الأصليين والمستوطنين المنتشرين داخلها.
ولفت إلى أن الناحية الثانية تتعلق بالبعد الديني للمدينة، فمن المعروف عنها بأنها ذات ثقل إسلامي، مبيّناً أن التقاء العامل الأول مع الثاني أدى إلى اشتداد المواجهة فيها وانتقالها فوراً لقلب الخليل.
ويرى عثمان خلال حديثه لـ"شمس نيوز"، أن إسرائيل معنية بقمع الانتفاضة بالخليل؛ من خلال الإعدامات الميدانية اليومية، والاعتقالات الواسعة التي تمارسها بين صفوف الشبان المنتفضين وإجراءات أخرى عقابية، عازياً ذلك إلى محاولة منع انتشار الهبّة الشعبية في بقية المدن الأخرى، وحتى لا ترتقي إلى مستوى انتفاضة، كما كانت الانتفاضتين الثانية أو الأولى.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن السلطة الفلسطينية غير معنية بتصعيد الأوضاع أكثر في الخليل، لافتاً إلى أن مشاركتها في الهبة بالخليل ضعيفة جداً وذلك من خلال دعم معنوي لا أكثر ولا أقل، بحسب عثمان.
وكانت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، ذكرت أن أحد أهم الأسباب التي تدفع الفلسطينيين في الخليل لتنفيذ العمليات يتمثل في اعتناقهم للفكر المقاوم الذي يحملونه والممارسات الاستفزازية التي يقوم بها المستوطنون ضدّهم.
وتعتبر مدينة الخليل من أكثر المدن التي شهدت عمليات عسكرية قام بتنفيذها "الخلايلة" ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، والتي كان من أقواها عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة العام الماضي، قبيل الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
ومساء أمس الأربعاء، أصيب جنديان إسرائيليان في عملية دهس نفذها فلسطيني قرب حاجو حوارة بمدينة الخليل قبل إطلاق النار عليه وقتله.
وتعرف مدينة الخليل بشهرتها في زراعة العنب "الخلايلي" أجود أنواع العنب في فلسطين، وهو ما أعطاها ميزة في هذا الجانب، لتضفي عليها عمليات الدهس والطعن ميزة جديدة قد تدرس في المناهج التعليمية مستقبلا.