غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر «غزوة باريس».. هذه بضاعتُنا رُدًّتْ إلينا

بقلم: طارق عبود

لن يستطيع المواطن الفرنسي اليوم أن يسير في شوارع باريس الراقية، مركّزًا نظره فقط على واجهاتها الأنيقة، بل أصبح ملزمًا بالنظر إلى الوجوه والأجساد، وتبيُّن ملامحها، لئلا تحمل إليه مفاجآت قاتلة، مثَلُهُ في ذلك كَمَثَلِ ابن حارة حريك وبرج البراجنة، وابن شارع السعدون والكرّادة والباب الشرقي في العراق، وللأسف لن تمنع الماركات المشهورة لهيبَ النار المندفعَ من أجساد وعقول متوحشة عن أهل باريس وزوارها.

لا يقنع المسار الذي تتخذه الولايات المتحدة الأميركية، ومن خلفها الدول الأوروبية أيَّ عاقل في هذا العالم بأنّ «المجتمع الدولي» بكل ما يملكه من سلطة وقدرات وهيمنة على المؤسسات الدولية كلّها، وعلى مساحة هذا الكوكب، عاجز عن محاصرة تنظيم حديث يكبر وينمو تحت جفنيه، وهو عاجز في الحد الأدنى عن تجفيف مصادر تمويله المادي أو البشري، إلا إذا كان يستخدمه وسيلة لضرب أعدائه، بغضّ النظر عن النتائج المعاكسة التي قد ترتدّ عليه في حالتي نجاح التنظيم ومن معه في تحقيق ما يرغبون فيه، أو فشله في ذلك.

خلطت الحرب السورية، وما يحصل في المنطقة، الأوراق على المستوى السياسي والعسكري والاستراتيجي في العالم، وما المقتلة الأخيرة في شوارع باريس وملعبها الأنيق، «ستاد دو فرانس» الذي شهِد خروج فرنسا من الدونية الكروية، برفع لاعبيها كأس العالم في كرة القدم في العام 1998، وما يمثّله مسرحُها من عنوان ثقافي في العالم، وشوارعُها التي تحمل اسماء مبدعيها، والأماكن التي شهدت الليلة السوداء، إلا مؤشّر لما سيشهده العالم في المستقبل القريب من أحداث قد توازي ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط أو يضاهيه، عنفًا وتوحشًا وإرهابًا. وقد تكون مترتباتُه مضاعفةً على الإنسان الغربي، كونه غيرَ مؤهل لهذا النوع من الرعب والقتل الذي هشّم تفاصيل حياته فجأة، وهو الذي اعتقد غالبًا أنّ كل ما يحصل بعيدًا منه غير معني به، ولا يعنيه، أو ربما لن يجرؤ احدٌ على التطفّل والعبث ببرنامج يومياته، وذلك لأسباب عديدة، منها ثقته بالقيادة السياسية والعسكرية والاستخباراتية، وبترسانته وتحالفاته وحصانته الأممية وغيرها. إنّ ما حصل في أمسية 13 تشرين الثاني 2015 في باريس، وتشبيهها «ببيرل هاربور» أو «11 أيلول/سبتمبر» جديدة، أطاح بهذه المفاهيم، وبهذه الثقة. والأكيد أنّ تلك الليلة مثّلت صافرة البداية في المواجهة التي ستخوضها فرنسا ومن معها. وهي المؤشّر العملي على دخول اوروبا في عين الإعصار.

يطرح ما سقناه فرضياتٍ وأسئلة مفصلية لن يستطيع الفرنسيون والأوروبيون تجاهلها، أو مداواتها بالمسكّنات، وسيسيلُ حبرٌ كثير في مقاربة هذا الحدث الكبير، ولكن ما يهمّنا في هذه العجالة، هو الإضاءة على جانب يتيم منها، يتمثّل في مسؤولية الحكومة والمجتمع الفرنسيين عن هذا التحوّل التاريخي.

ما نريد قوله، إنّ ما تشهده منطقتنا من فوضى خلاقة، تتحوّل تدريجيًا إلى فوضى لا خلّاقة، يشير إلى أن الدول الغربية أسهمت في إشعال النار في المنطقة - لأنّ حرية الحركة الممنوحة لنقل الأموال، وشراء الأسلحة بمليارات الدولارات، ناهيك عن شراء نفط «داعش»، وتجارة الآثارات المسروقة حول العالم، بالإضافة الى العامل الأكثر أهمية، وهو تنقّل الأفراد بين الدول، تشير إلى غض طرفٍ من «العالم المتحضّر».

يقول المراسل المعروف لصحيفة The Independent باتريك كوكبيرن، في كتابه «داعش عودة الجهاديين» «إنّ تقرير لجنة الحادي عشر من ايلول 2001 أثبت أنّ السعودية هي المصدر الرئيسي لتمويل تنظيم «القاعدة»، لكن لم يتم اتخاذ ايّ إجراء بخصوص ذلك. وفي ذروة الصراع العسكري في العراق في العام 2007، صرّح ستيوارت ليفي، وكيل وزارة المالية الأميركية والمسؤول عن مراقبة وإعاقة تمويل الإرهاب لقناة أخبار ABC إنه في ما خص تنظيم «القاعدة»، لو كان بإمكاني قطع التمويل من بلدٍ واحد لكانت المملكة السعودية هو هذا البلد» (ص 118). ولكن في اعقاب ما سميّ بـ «الربيع العربي»، توسّعت مروحة الدعم للتنظيمات الإرهابية بحيث يصبح ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اختتام قمة العشرين مؤخرًا في انطاليا التركية، مُدَعِّمًا حججه بصور عبر الأقمار الاصطناعية وبالفيديو، عن وجود أربعين دولة تموّل الإرهاب، يجلس بعضٌ منها على الطاولة نفسها، هو التعديلُ الجديدُ والأبرز.

لذا لا يمكن لعاقل ان يقتنع بالحجج التي يسوقها الغرب، عن جهله أو عن عدم قدرته على الحدّ من عبور آلاف الإرهابيين، من وإلى اوروبا، من دون أن يكون راضيًا عن هذه الحركة، أو مستفيدًا منها.

فإذا كان المواطن العادي يدرك هذه الحقيقة، فكيف بأجهزة استخبارات تتجاوز ميزانيتها ميزانية دول وعندها من التقنيات والخبرات ما يدهش العقل؟

إنّ المدّة المفتوحة التي منحت للحركات الإرهابية ومن يدعمها، أحرجت الولايات المتحدة واوروبا، لأنها أصبحت بين نارَين، فهي إن حاربت «داعش» وحاصرتها وجفّفت مصادر تمويلها، تكون بذلك قدّمت تمريرة حاسمة للمحور المقابل، وإن تركت الحبل على غاربه، فإنّ التوترات الأمنية تنتقل وبسرعة رهيبة حول العالم، بالإضافة إلى انكشاف اللعبة امام الملأ.

في «مؤتمر فيينا» الأخير حصلت مشادة بين وزير الخارجية الروسي ونظيرَيه الأميركي والسعودي، قال فيها جون كيري ردًا على كلام لافروف، إنّ الجميع في فيينا مستعدون لمحاربة «داعش»، بمجرد رحيل الأسد، ممّا سيؤدي إلى القضاء على التنظيم الإرهابي خلال شهرين. يعني هذا الكلام أنّ اميركا ومن معها لم تقرر الى اليوم محاربة «داعش»، ولا يوجد لذلك تفسير آخر.

إنّ العقلية الثأرية التي قاربت بها الإدارة الفرنسية الحرب السورية، بالإضافة إلى الأموال التي دُفعت بمليارات الدولارات كرشوة لها للسكوت عما يحصل، أفضت إلى هذه النتيجة. لذا لم تعد فرنسا قادرة على مجاراة الأميركي في اللعب على حافة الهاوية، لأنها أصبحت في طريقها إلى تلك الهاوية. والشعب الفرنسي إذا أراد العودة إلى حياته العادية، بات مضطراً لدفع حكومته إلى إعادة حساباتها، وجعلها تنهي زمن التوظيف الذي حظي به الإرهابيون على مدى السنوات الخمس الماضية.

تنويه: المقالات المنشورة على صفحة وكالة "شمس نيوز" تعبر عن آراء كتابها

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".