شمس نيوز / عبدالله عبيد
في عدوانه الأخير على قطاع غزة الصيف الماضي 2014، استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنواعا كثيرة من الأسلحة المحرمة دوليا، وأسقط أطنانا من المتفجرات على رؤوس الآمنين في البيوت والمساجد، ولم يسلم من صواريخ وقنابل الاحتلال البشر ولا الحجر ولا الشجر، وكأن القطاع الساحلي الضيق، أصبح حقل تجارب لصواريخ الاحتلال.
ولم تقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي عند هذا الحد، فما زالت شِباك الموت تحيط بأرض غزة، لتهدد حياة أهلها، بعد أن ترك في الحرب الأخيرة العديد من مخلفات الصواريخ التي لم تنفجر بعد، وأجساما مشبوهة في عدة مناطق بالقطاع، وخصوصاً الشمالية والشرقية.
فخلال العدوان الأخير على غزة الذي استمر 51 يوماً، ذهب المواطن "خليل نصير" في يوم السابع والعشرين من أغسطس 2014، وهو تاريخ إعلان هدنة لثلاثة أيام، لتفقد منزله المكون من ثلاثة طوابق في بلدة بيت حانون شمال القطاع، بعد أن شُرّد الحي الذي يقطنه بأكمله، إلا أنه تفاجأ بوجود صاروخ يتجاوز وزنه الطن، أسقطته الطائرات الحربية من نوع (F16)، بحسب قول نصير.
وتحدث المواطن نصير لـ"شمس نيوز"، أنه فور اكتشاف هذا الصاروخ، قام بالاتصال على الجهات المختصة، إلا أن قلة المعدات والإمكانيات حالت دون استخراجه من المكان، ليشير إلى أنه وعائلته قد عادوا إلى منزلهم بعد انتهاء الحرب والصاروخ في مكانه.
ويضيف: منعنا اقتراب أي شخص إلى مكان الصاروخ، وسكنا في المنزل، ولكننا كنا حذرين بشكل كبير، وبقينا على هذه الحالة لثمانية شهور، إلى أن تم استخراجه"، لافتاً إلى أنهم خلال الشهور الثمانية كانوا في حالة خوف وجميع سكان المنطقة، من أن ينفجر هذا الصاروخ في أي لحظة".
هذا التخوف، انقلب إلى حالة من الفرح، عندما قامت شرطة هندسة المتفجرات بانتشال الصاروخ من منزله، مبينا أن السكان القريبين شعروا بعد إخراج الصاروخ أنهم في يوم عيد.
واستشهد نتيجة انفجار مخلفات الاحتلال نحو عشرة فلسطينيين في الحرب الأخيرة، يضاف إلى ذلك استشهاد العشرات من الفلسطينيين في الحروب والاجتياحات التي سبقت عدوان 2014.
صاروخ تحت الأرض
عشرات المنازل في قطاع غزة شبيهة بمنزل "نصير"، حيث تسكنها المخلفات الحربية الإسرائيلية، منها ما تم استخراجه دون أي خطر، ومنها ما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من المواطنين جراء انفجارها، وآخرون لا تزال الصواريخ مطمورة أسفل منازلهم، كمنزل المواطن "سلامة الصواف"، الذي يسكن في منطقة "الشعف" بحي الشجاعية شرقي غزة.
الصواف أعرب خلال حديثه لمراسل "شمس نيوز" عن قلقه من وجود صاروخ أسفل منزله المكون من خمسة طوابق لم تعد مؤهلة للسكن بعد استهدافه، مشيراً إلى أن عائلته لم تصل المنطقة منذ أن خرجت من الحي خلال اجتياح الشجاعية العام الماضي.
ويوضح المواطن الصواف أنه ذهب إلى الجهات المختصة لإزالة الصاروخ، ليتمكن من إعادة بناء المنزل بعد أن تم تدميره، مبينا أن الجهات المختصة حتى الآن لم تنتشل الصاروخ لوجوده على مسافة 15 متراً في باطن الأرض.
وقال: توجهت لوزارة الأشغال لإزالة الركام، لكنهم رفضوا بسبب وجود صاروخ أسفل المنزل" موضحا أنه وعائلته يسكنون في شقة بالإيجار الآن.
البيت الوحيد
وبحسب وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة، م. ناجي سرحان، فإن جميع مخلفات الاحتلال تمت إزالتها، موضحا أن بيت سلامة الصواف، قد يكون الوحيد الذي يربض صاروخ أسفله.
ولفت سرحان في حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أن مؤسسة الـ UNDP تعاملت مع أغلب البيوت، عبر القسم المختص بإزالة المتفجرات التابع للأمم المتحدة، مبيّناً أنه في حال تم إبلاغهم بوجود خطر في ذلك المنزل، سيتم التعامل معه بصورة مباشرة.
وتابع: بعد استخراج المواد المتفجرة من البيت نقوم بإزالة الركام، حتى يتمكن المواطن من إعادة إعمار منزله" لافتاً إلى أن الوزارة واجهت مشكلات كثيرة متشابهة، وتم إزالتها على الفور.
وكان الاحتلال الإسرائيلي دمّر خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة نحو تسعة آلاف منزل بشكل كامل وثمانية آلاف بشكل جزئي، وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
يشكل عائقاً
وعن منزل المواطن "الصواف" يقول مدحت البطش، المدير الفني لقسم هندسة المتفجرات في غزة، لـ"شمس نيوز": هناك آثار سقوط صاروخ بالمنزل، وفريق هندسة المتفجرات قام بعمليات حفر، لكن ضعف الإمكانيات حال دون الكشف عن مكان الصاروخ"، مشدداً على أن الحصار الذي يشهده القطاع منذ تسعة أعوام يقف عائقاً كبيراً أمام المواد والإمكانيات التي يستخدمونها في عملهم.
وبحسب إحصائية أعدتها "هندسة المتفجرات"، أشار البطش إلى أن 146 منزلا ومنشأة وأرضا تم تمشيطها من خلال فريقهم المختص، لافتاً إلى أن الحرب الأخيرة خلفت حوالي 150 طنا من المواد المتفجرة لم تنفجر، سقطت على البيوت والأراضي.
وبيّن أنهم يعملون بحذر شديد عندما يبلغهم شخص بوجود جسم مشبوه أو متفجر داخل منزل أو أرض، مشيراً إلى أن المناطق الحدودية من أكثر الأماكن التي يتم استخراج مواد غير منفجرة منها.
ودعا المدير الفني لقسم هندسة المتفجرات بغزة، المواطنين إلى توخي الحذر عند رؤية جسم مشبوه من مخلفات الاحتلال".
وبسبب ضعف الإمكانيات المادية، يضطر العاملون في هندسة المتفجرات لإتلاف الأجسام المشبوهة في مكانها دون نقلها، لكن قربها من الحدود يعرضهم لخطر استهدافهم من قبل الاحتلال، بينما يقومون بالتحايل على بعض الأجسام لإبعادها عن المناطق الحدودية.
وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقريراً في إبريل الماضي كشفت فيه أن العدوان الأخير على قطاع غزة خلّف سبعة آلاف جسم لم ينفجر، مطالبة بإخلاء القطاع من هذه الأجسام.
حقل تجارب
الخبير في الشؤون الأمنية، د. كمال تربان، يوضح أن الاحتلال يتعامل مع قطاع غزة كحقل تجارب، باستخدامه للمواد المتفجرة والصواريخ الحارقة والمدمرة، مبينا أن الكثير من مخلفات هذه المواد سقطت على منازل المواطنين والأراضي المجاورة ولم تنفجر.
وأكد تربان لـ"شمس نيوز"، أن هذه المتفجرات تحدث رعباً للمواطن، وتشكل خطورة على الأطفال، "حيث أن العديد من الحالات قتلت وأصيبت من هذه المخلفات، من بينهم بعض العاملين في المؤسسة الأمنية.
ونبه إلى ضرورة أن يهب الجميع لتوعية السكان، حتى يتم التعامل بحذر مع مخلفات الحروب، وعدم التعامل بنوع من اللامبالاة أو السذاجة، لأنها تشكل خطورة حقيقية على المواطن الفلسطيني، مشيراً إلى أنه "يجب إحاطة المكان بسياج وإبعاد المواطنين عن المكان، وأن تبذل جهات الاختصاص كل جهودها لاستخراج الأجسام غير المنفجرة".
وشدد تربان على أن هذه مسألة بحاجة إلى استنفار كل الطاقات والخبرات والإمكانيات، لإزالة المخاطر التي قد تنتج عن عدم التعامل مع الصواريخ والقنابل من مخلفات الاحتلال.
وكان روبرت تيرنر، مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في غزة، قال في احتفال قبل أيام بمناسبة اليوم العالمي للألغام: إن قطاع غزة يعاني من الأجسام المشبوهة، وهناك الكثير منها يصعب التعامل معه.
وفي مهمة لهندسة المتفجرات؛ استشهد 5 من خبراء الهندسة خلال تفكيك صاروخ شمال قطاع غزة قبيل انتهاء الحرب، بينما استشهد شابان وأصيب ثالث قبل شهرين خلال عبثهم بطلق ناري متفجر يشبه في شكله "ختم التوقيعات" حين قاموا بالطرق عليه.