مرت نهاية اسبوع متوترة على بضع مئات من الاسرائيليين. فقد لازموا كل شظية معلومة وكل تصريح في وسائل الاعلام متأرجحين بين الرجاء واليأس وكأنهم أبناء عائلات ركاب الطائرة الماليزية تقريبا. إن مصيرهم لا يهم أحدا، فاسرائيل بليدة الاحساس بمعاناتهم وهي شامتة بهم حتى إن اليسار غير مبال بمصيرهم. ويشتغل عدد منهم باستعدادات محمومة للحظة ربما تكون الاكثر سعادة في حياتهم، ويرفض الآخرون الاستعداد كي لا يخيب رجاؤهم مرة اخرى خيبة مُرة. إن هؤلاء الاسرائيليين هم اقرباء الـ 14 سجينا أمنيا الذين يفترض أن يفرج عنهم في نهاية الاسبوع القريب في نطاق النبضة الرابعة. ولن يمنعهم ذلك سوى من الشر وشهوة الانتقام والغوغائية القومية وعدم المساواة الذريع وهي موجودة بكثرة. إن هؤلاء الـ 14 سجينا هم عرب اسرائيليون قتلوا جنودا أو مدنيين قبل أكثر من نصف يوبيل؛ وقد كان عدد منهم سجناء منذ أكثر من ثلاثين سنة. وقد عاملتهم اسرائيل مدة هذه السنوات كلها وكأنهم فلسطينيون من المناطق المحتلة: دون اجازات ودون اجتماع بنسائهم ودون مكالمة هاتفية واحدة الى بيوتهم مدة عشرات السنين – حتى حينما كان آباؤهم أو اخوتهم يحتضرون – فقد بلغ الشر الى هذا القدر . لكنها ترفض الافراج عنهم الآن بذريعة أنهم اسرائيليون.
قضى أكثرهم ثلثي مدة السجن لكن لا يُرجى أن يفرج عنهم كما يُعامل أدنى القتلة الجنائيين. فالقتلة في اسرائيل يقضون على نحو عام 18 – 24 سنة في السجن – وهؤلاء لا يفرج عنهم بعد 32 سنة. إن دولة قدست في الاسبوع الماضي بمراسم كثيرة ذكرى بطلها مئير هار تسيون، وهو قاتل مدنيين ابرياء ما زالت تنكل بمن ساروا في طريقه، وهي طريق القتل والانتقام لأنهم فقط عرب لا يهود ولأن الدم الذي سفكوه كان يهوديا لا عربيا، فقط. وهي دولة تفرج وتعفو عن قتلة عرب بعد سنوات معدودة، هذا اذا حوكموا أصلا، وأفرج فيها عن قاتل لأكثر من عربي – عامي بوبر – لاجازات متوالية، وأفرج عن قاتل فلسطيني مقيد وهو يورام شكولنك بعد ثماني سنوات، وأفرج فيها بعد سبع سنوات عن رجال العصابة السرية اليهودية الذين قتلوا 3 طلاب جامعات وحاولوا اغتيال 3 من رؤساء المجالس البلدية الفلسطينيين واصابوهم بجراح بليغة وشمل ذلك قطع أرجل اثنين منهم وسببوا عمى جندي من حرس الحدود.
كان الـ 14 سجينا يستحقون عقوبات شديدة لكن كان يجب الافراج عنهم منذ زمن لا بصفقات مساومة ولا نتاج اختطاف جنود أو اتجار بجثث ولا عن رحمة وتفضل. كان يجب الافراج عنهم لأنه لو كانت العدالة الاسرائيلية ترى المساواة لأوجبت الافراج عنهم. ويستحق اقرباؤهم ايضا قدرا من العدالة ويستحق مصيرهم أن يؤثر في القلب: فسامية أبو مخ وفريدة دقة العجوزان والمريضتان تحلمان بمعانقة ابنيهما وهما حيتان. ويتعلق حلمهما الآن بتهديدات الاستقالة (المخيفة) لداني دنون، وتهديدات الترك (المذهلة) من البيت اليهودي التي جاءت متابعة لحفل الاقنعة السياسي، وبقدر الاهتمام الذي ستظهره الادارة الامريكية.
وهذه ايضا رسالة الى الاقلية العربية في اسرائيل التي ترى الظلم حيثما اتجهت، وهي تراه الآن فيما يتعلق بأبنائها السجناء. من المؤكد أنه يمكن تفهم مشاعر اقرباء ضحايا الارهاب لكن لا يمكن تفهم رقصات "الدم على الأيدي" القومية مع كل النسبة الى الشيطان والتخويف الهادر الذي يصاحبها في وسائل اعلام تؤجج الغرائز. فقد أعلن وليد دقة وماهر وكريم يونس، ورشدي أبو مخ وأكثر رفاقهم أنهم تركوا الارهاب. وهم اسرائيليون أدوا بينهم عن اعمال قاموا بها في شبيبتهم قبل سنوات كثيرة. فقد قتلوا أبرياء في اطار كفاح شعبهم القومي كما فعل بالضبط اسرائيليون كثيرون فحظوا بذلك بالتكريم والاجلال. فقد حان الآن وقت الافراج (المتأخر) عن رفاق طريقهم، أعني العرب ايضا.