غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الشهيدة "رشا عويصي".. عروس الانتفاضة

شمس نيوز/ عبدالله عبيد

"أمي الغالية، لا أعرف ماذا يحدث؟ فقط أعرف أن طريقي انتهى، وهذا الطريق اخترته بكامل وعيي دفاعًا عن وطني والشباب والبنات.. لم أعد أحتمل ما أرى، لكن الذي أعرفه هو أني لم أعد احتمل.. أهلي أمي وإخوتي سامحوني على كل شيء، ما بوسعي غير أني فعلا أحبكم وخاصة خطيبي، سامحني على كل شيء، ما أمامي غير هذا الطريق، أنا آسف على هذا الرحيل".. بتلك الكلمات المعبرة اختتمت الشهيدة رشا عويصي (23 عاماً) وصيتها التي تم العثور عليها بعد إعدامها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، على حاجز الياهو في قلقيلية.

الكلمات التي انتقتها الشهيدة "رشا" في وصيتها كانت حاضرة من قلب فلسطينية، شاهدت جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتتالية والمستمرة بحق الشباب الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل، بالإضافة إلى أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ في حروب غزة، لهذا لم تحتمل "أخت المرجلة" هذا الظلم.

وفي بداية أكتوبر الماضي انتفضت مدينة القدس المحتلة في وجه الاحتلال، ومن ثم بدأت مدن الضفة والداخل المحتل بالانخراط شيئاً فشيئاً بهذه الانتفاضة، إلى أن انفجرت كل المدن الفلسطينية، لتخرج الفتاة قبل الرجل وتحارب بقرآنها وسكينها هذا المستوطن الغاصب القاتل، لتسجل المرأة الفلسطينية حضورا مميزا في انتفاضة القدس إلى جانب الرجل.

لم أحتمل

"قبل يوم من استشهاد رشا، كنا جالسين أنا وهي نضحك مع بعضنا البعض، وتقول لي: يما نفسي أستشهد زي هديل الهشلمون ومهند حلبي وفادي علون، نفسي أستشهد عشان ما أضل أشوف جرائم إسرائيل بأطفالنا وشبابنا، لم أعد أحتمل الظلم يا أمي.."، بنبرة عاطفية ودموع وردية سقطت على تجاعيد وجه الحاجة أم إسماعيل عويصي (57 عاماً)، والدة الشهيدة رشا، تحدثنا عن السويعات التي جلستها بجانب فلذة كبدها، قبيل استشهادها.

لتكمل الحاجة عويصي حديثها لمراسل "شمس نيوز": نظرت إليها وقلت لها ما تحكي هيك يما، إنتي كمان شهر راح تتجوزي وتتخرجي من الجامعة، وبلاش حدا يسمعك وييجوا اليهود يعتقلوكي"، موضحة أنها لم تأخذ الأمر على محمل الجد، واعتبرته "مزحة لا أكثر ولا أقل".

لم تكن تعلم تلك الأم أن ابنتها قد قررت الاستشهاد وجهزت "عدة الرحيل" التي بها ستنتقم لشهداء أبرياء عزل، ولدماء فتيات أعدمن بعشرات الطلقات من جنود مدججين بأسلحة عسكرية، يوقفون كل فتاة مزينة بحجابها، والخوف يعتلي وجوههم، لتبدأ سخريتهم بعد إعدامها وقتلها بدم بارد على حاجز نصبه الاحتلال كـ"مصيدة" للفلسطينيين.

لتشير عويصي أن ابنتها "رشا" التي ستتخرج هذا الفصل من الجامعة كانت من أوائل الطلبة في دفعتها، لافتة إلى أنها تجهز نفسها للزواج " حيث تم تحديد موعد زواجها بشهر 12 الحالي"، حسب تعبيرها.

عروس فلسطين

"فكل فتاة جامعية تحلم بزوج وبيت وأسرة كي تستقر في حياتها، إلا أن رشا قررت الانتقام والشهادة على الأمور الدنيوية الفانية"، لتصف الحاجة الخمسينية ابنتها بـ"عروس فلسطين".

وتضيف قائلة: ذهبت للنوم وفي نصف الليل توضأت لأصلي ركعتين قيام الليل كما العادة، إلا أنني تفاجأت بأن غرفة رشا مضيئة، فذهبت لإطفائها فوجدتها تقرأ القرآن وتبكي، وفجأة شعرت بأنني سأفتقدها حقا"، مشيرة إلى أن رشا كانت كل يوم تصلي ركعتين قبل النوم.

ببكاء اشتد شيئاً شيئاً، بدأت نبضات قلب تلك الأم الحنونة تدق أكثر كأي أم تخاف على أبنائها، لتضيف بالقول: جلست بجانب رشا وأخذتها على حضني كطفلة أمرر يدي على رأسها وشعرها"، برهة صمت في حديثنا، وفجأة يعتلي صوت بكاء الأم التي تشتاق لرؤية "عروسها" التي لم تقبلها حتى بعد استشهادها.

وتكمل حديثها: صلينا الفجر وبعدها ذهبت للنوم، وعند الساعة السادسة صباحاً استيقظت من نومي، فوراً ذهبت لغرفتها، لم أرها على سريرها كما العادة، أول ما خطر في بالي أنها قد استشهدت".

17 طلقة

كانت آخر الكلمات التي تحدثت بها الوالدة لنا عن فلذة كبدها، بعد أن عجزت من شدة البكاء عن الحديث أكثر، إلا أن شقيق "رشا" رامي عويصي أخذ سماعة الهاتف من والدته ليقول: الساعة السابعة صباحاً أتانا نبأ استشهاد شقيقتي رشا".

ويضيف عويصي لـ"شمس نيوز": لم يكن أمامنا إلا أن نصبر ونحمد الله على كل شيء، فهي شهيدة لهذا الوطن، خرجت دفاعاً عن الأقصى وانتقاماً لأخواتنا الشهيدات"، لافتة إلى أن وصيتها التي دونتها بقلمها كانت في جلبابها الملطخ بدمائها لحظة استشهادها.

وأشار إلى أن شقيقته تعرضت لإطلاق نار من قبل مجموعة من جنود الاحتلال عند حاجز "ياهو" بقلقيلية، في اليوم التاسع من نوفمبر الماضي، "حيث أطلقوا عليها 17 طلقة وأعدموها بدم بارد بتهمة تنفيذ عملية طعن"، حسب قول رامي عويصي.

ولم تتسلم عائلة الشهيدة عويصي جثمان "رشا" منذ تاريخ استشهادها حتى الآن هي وخمسين من شهداء انتفاضة القدس، بعد أن قرر المجلس الوزاري "الإسرائيلي" المصغّر للشؤون الأمنية "كابينيت"، في الثالث عشر من شهر تشرين أول (أكتوبر) الجاري، احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد أهداف استيطانية وعسكرية "إسرائيلية".