تقرير/ عبدالله مغاري
تصوير/ حسن الجدي
منذ أن دخلوا مرحلة الشباب وهم يتنفسون هواءً ملوثا برائحة الحصار الإسرائيلي, ويعيشون حياة سلب الاحتلال معظم مقوماتها , فجعلهم أعدادا تضاف إلى قوائم البطالة والمتعطلين عن العمل من جهة, وضحايا لمعارك انتزاع الحياة من جهة أخرى, باختصار هم شبان غزة الذين أصبحوا بفعل الحصار شهودا على مراحل موتهم ببطء.
هم شهود فعلا ولكنهم ليسوا صامتين على ما أوصلهم إليه الاحتلال والانقسام, بل يصارعون السجّان في سجنه المظلم, ويطرقون جدرانه بعزائمهم على أمل أن يتمكنوا من فتح فوهة, يرون منها شيئا من مستقبلهم مجهول العالم, ويدخلون شعاع نور قد يضيء طريق أجيال من بعدهم.
كيف لا وفي غزة المحاصرة شبان كـ"جهاد الحمامي" و"محمد أبو عون"، اللذين تنفسا هواء الحصار, وحوّلاّه إلى مصدر طاقة يولّد في داخلهما إرادة, جعلتهما بعد سنوات من الصراع مع الواقع, صاحبي أول مصنع لخواتم الفضة في فلسطين.
من الانترنت البداية
محمد أبو عون (26 عاما) وجهاد الحمامي (35 عاما) من سكان شمال قطاع غزة, بدأت العلاقة بينهما كأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي, قبل أن يكتشفا أنهما يمتلكان نفس الإرادة التي قد تجعلهما يخرجون من واقع غزة المرير.
يقول الحمامي في حديثه لـ"شمس نيوز": تعرّفنا على بعضنا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووجدت أن محمد شاب في مقتبل العمر يمتلك إرادة وعنده خبرة في مجال صياغة الفضة ووجدت أن محمد قريب مني".
محمد أبو عون، لم يكتسب الخبرة بالوراثة, ولم يلتحق بأي من المعاهد التي تعلم صياغة الفضة, كون أن مثل هذه المعاهد غير موجودة في غزة, بل بدأ بتعلم هذه المهنة من خلال موقع التواصل الاجتماعي "اليوتيوب" مستغرقا ما يقارب 3200 ساعة أمام شاشة الكمبيوتر في سبيل تعلم الصياغة.
يقول أبو عون لـ"شمس نيوز": كان من الصعب علي أن أطلق على نفسي صائغ فضة ولكن بعد الممارسة وإنشاء المصنع أشعر بأن حلمي تحقق".
مجازفة
لم يكن من السهل إنشاء مصنع للفضة في قطاع غزة الذي تحظر السلطات الإسرائيلية دخول معظم المواد الخام والمعدات إليه, بالإضافة إلى ارتفاع التكلفة المادية لاستيراد المصنع في حال سمح الاحتلال بذلك, فما كان من الشابين إلا التفكير بطريقة تحقق حلميهما.
يقول "الحمامي": بدأنا الاستفسار عن الأدوات، وجدنا أن تكلفة استيرادها تبلغ عشرات آلاف الدولارات, بدأنا بجمع صور المصنع والمعدات وتوصلنا إلى نتيجة, أنه يتوجب علينا تشييد المصنع لصناعة الخواتم الفضية".
بعد جهد كبير تمكن الشابان من صناعة الأدوات والمعدات اللازمة لمشروعهما, ليتم افتتاحه في شمال قطاع غزة قبل شهر تقريبا, مستخدمين بعض المواد الخام البديلة لتلك التي يمنعها الاحتلال, بعزيمة جعلتهما يحلمان بإنتاج ماركات من الفضة تشبه تلك التي تباع في الأسواق العالمية.
الانتفاضة حاضرة
وبعد كل هذه المراحل الصعبة التي تجاوزاها، كانا بمثابة مقاومين يتصديان لمخططات الاحتلال الهادفة إلى إخضاع غزة وشبانها, فلم تغب انتفاضة القدس عن أعمال جهاد ومحمد.
يقول "أبو عون": هنا ننتج بعض الخواتم والميداليات التي ينقش عليها صور وكلمات تخص انتفاضة القدس والقضية الفلسطينية لدعم الانتفاضة ودعم الشباب".
عند النظر إلى بعض منتجات المصنع الأول في قطاع غزة, تجد أن الحجر الفلسطيني حاضر إلى جانب القدس والمسجد الأقصى, فتلمس إرادة تحدت الحصار ودعمت الشبان المنتفضين في شوارع القدس والضفة المحتلتين.