شمس نيوز/سماهر البطش
"المفتول".. أكلة شعبية اشتهرت في دول البحر المتوسط، لها أسماء مختلفة وطرق إعداد متنوعة، يتقنها أهل الشام وخاصة فلسطين، فهي أحد أهم أكلات المائدة الغزاوية، التي يجمع الكل على حبها، في بلد قلما تجد إجماعا عند أهله على كثير من أمور السياسة.
والمفتول ليس مجرد أكلة على مائدة طعام، بل هو تراث معروف لدى الفلسطينيين منذ القدم، حيث كانت النساء الفلسطينيات في جميع القرى والمدن الفلسطينية يجتمعن أثناء المناسبات، يفترشن الأرض ويضعن أمامهن ماعونا كبيرا من الألومونيوم، ويفتلن الدقيق لتحويله إلى كرات صغيرة شبيهة بالخرز، ثم يقمن بطهي كرات المفتول بحلل "طناجر" خاصة على البخار المتصاعد من أسف القدر.
وتتكون طنجرة المفتول من قطعتين تعلو إحداهما الأخرى وتكون القطعة العليا عبارة عن مصفاة مخرمة يوضع بها المفتول تركب على السفلى بشكل لا يسمح للبخار بالصعود إلا من خلال حبات المفتول، فيما يسمى بمرحلة "رد المفتول".
دور يا قدر المفتول
الحاجة الستينية أم محمد الزهارنة، تحدثت لمراسلة "شمس نيوز" عن المفتول الفلسطيني، لتحاكي تراثا قديما، لتبدأ حديثها بأهازيج عجائزية عفوية: دور يا قدر المفتول وأنا في ذيلك بدور، وحيا الله بقدر المفتول، و بالنشامى اللي بتزين بقلوبها دارى لياكلو من دياتك قدر المفتول".
تعود أم محمد بذاكراتها للوراء لتضيف بلغتها الفطرية: الجارات بيحبوا ياكلو من تحت إيدي المفتول.. ساق الله على أيام زمان، كنا نتجمع على ماعون المفتول، نفتل لكل الحارة مع الأغاني والأهازيج وضحكات الأطفال.. طعم المفتول كان غير، كان ممزوج بريحه أرضننا"
وتردف بالقول: كنا زمان لما نسمع واحدة من جاراتنا بتعمل المفتول، نروح عندها، كنا نقعد تحت ظل الشجرة ونصنع المفتول مع بعض، الزمن تغير والشجرة ضاعت وضاع ظلها، ولكن اللمة بتذكرنا فيها وما ضاع طعم المفتول".
مراسلة شمس نيوز، جلست إلى جوار السيدة أم احمد مهنا، صاحبة مطبخ "هنو" للمأكولات الشعبية، وهى تداعب حبات الدقيق بين يديها لتحولها إلى مفتول.
تقول مهنا: عملت منذ سبعة أعوام سابقة في صناعة المفتول وتسويقه، فقد شكّل مصدر دخل للأسرة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة".
وتضيف بالقول: في بداية المشوار كنت أصنع المفتول للأقارب، وبعدها تطورت الفكرة حتى فتحت مطبخا في بيتي، وبدأ كثير من الناس يتوافدون عندي لشراء المفتول، وأصبحت أعمل الكميات حسب الطلب".
وعن طريقة صنع المفتول، تتحدث مهنا: نستعمل صحنا كبيرا من الألومونيوم ومفتولية والكربالة، وهي غربال مصنوع من السلك الناعم له فتحات ضيقة، فمثلا لصنع المفتول من كيلو ونصف الكيلو من الدقيق والسميد , نضع السميد ونرش الماء ونحرك باليد براحة ونرش كمية من الدقيق، ونكرر الحركة الدائرية ونستمر في رش الماء ثم الدقيق حتى يصبح الخليط بحجم حبات الخرز، ثم نحضر القدر الخاص وندهن المصفاة بزيت الزيتون ويوضع المفتول فيها وترفع فوق القدر، ومن ثم نقوم بإنزال المفتول من المفتولية ونضيف له البصل المفروم وعين جرادة خضراء أو ناشفة والفلفل الأخضر والملح، والقليل من الشطة الحارة حسب الرغبة، ثم نضع المفتول في المفتولية التي يوجد أسفلها ماء ليتم إنضاجه على البخار المتصاعد، قبل أن نقوم بسكب المفتول في صحن العجين أي "الطشت" ونضيف إلية الماء ونفركه حتى لا يتكتل ونضع علية قليلا من الزيت أو الزبده، وبعد ربع ساعة في المفتولية يكون جاهزا".
وتستطرد متحدثة عن طريقة صنع "اليخنة"، شوربة المفتول، لتضيف: هي مرق الدجاج أو اللحم البلدي، نضيف له الحمص و البصل والطماطم والجزر والقرع والبهارات اللازمة ومنها الكركم، ونزين على وجه الصينية الحمص والخضار وفوقهم اللحم، ليصبح جاهزا للمائدة.
أكلة مشهورة
شاركتنا الحديث تهاني ضبان، ربة بيت، حيث أوضحت أن المفتول أكلة من الأكلات المشهورة في فلسطين وتحتل مكانة كبيرة لدى أهل غزة، وتعد من الأكلات التي يميل الناس إلى تناولها في فصل الشتاء وأكثر الوجبات صحة للجسم "لذلك أقوم بعمل المفتول وتخزينه، لأن أولادي يطلبونه كثيرا، لرائحته الشهية التي تنبعث من القدر أثناء الأجواء الباردة، وطعمه المميز".