البحر يبتلع الغزّيين.. والصرّاف شاغل المسئولين
شمس نيوز / عبدالله عبيد
ريهام.. جهاد.. صباح.. أسماء في قائمة الضحايا الذين ابتلعهم بحر غزة، دفنت ذكرياتهن وأحلامهن تحت التراب الذي وارى جثامينهن، وظلت المأساة تفجع قلوب ذويهم.. فالجميع تخلى ونفض يده عن المسئولية، قبل أن يجف حبر الخبر الذي كتبته مواقع الإعلام "غرق ثلاث فتيات من عائلة واحدة في بحر شمال قطاع غزة".
في ذلك الوقت الذي فجع النبأ كل أذن سمعته، كان كثير من الناس يتصارعون قرب البنوك، منشغلين في قضية الرواتب، وتملأ وسائل الإعلام أخبارهم: البنوك أغلقت أبوابها، مسلحون هاجموا الصرافات..
ولأن البحر هو المتنفس الوحيد لسكان قطاع غزة المحاصر منذ سنوات سبع، ينفر الناس إليه ليلقوا فيه همومهم، بعيدا عن قسوة الحياة، فتتلقفهم قسوة الموت..
وكانت ثلاثة فتيات من عائلة "أبو جراد" لقين مصرعهن يوم السبت (7/6)، غرقا في بحر السودانية شمال قطاع غزة، وهن ريهام جمعة أبو جراد (17 عاما)، وجهاد جمعة أبو جراد (16 عاما) وصباح صابر أبو جراد (24 عاما).
ولقى الشاب إيهاب الغلبان (25عاماً)، مصرعه يوم الجمعة الماضي، إثر غرقه في بحر خان يونس جنوب قطاع غزة.
لا أتوجه للبحر
" لم أذهب إلى شاطئ البحر منذ خمسة أعوام وحتى أبنائي أمنعهم من الذهاب إليه، فبعد غرق طفل أمام عيني لم أعد أتوجه إليه، لأن المنقذين هناك اسم لا أكثر"، بهذه الكلمات بدأ المواطن أبو محمد زيد (37) عاماً حديثه لـ"شمس نيوز" في تقرير عن ضحايا البحر.
ويقول زيد: البحر هو المتنفس الوحيد للغزيين، فكل عام بعد انتهاء أبنائي الأربعة من الامتحانات أتوجه بهم إلى الشاطئ، لكن بعدما رأيت أمام عيني، دون وجود منقذ واحد ينقذ طفلاً غريقاً آنذاك، قررت عدم الذهاب خوفاً على أبنائي، ووجدت بديلاً عنه للترويح عن النفس كالحدائق العامة والمتنزهات".
وتابع: كان الطفل يغرق وأمه تصرخ بأعلى صوت وتذرف الدموع، ننادي على المنقذين ولم يكن أي واحد منهم في مكانه، لولا أن شاباً من المارة قد أسرع لإنقاذه"، منوهاً إلى أن إهمال المنقذين مازال حتى وقتنا هذا.
إهمال المواطن
أما أبو العبد مرسي، الذي يعمل منقذا بحريا على شاطئ بحر السودانية، فيرجع سبب كثرة حالات الغرق إلى إهمال المواطن نفسه، الذي يخالف تعليمات ونصائح المنقذين. وقال مرسي لـ"شمس نيوز": هناك إهمال كبير من المواطنين، فالمنقذ يكون متواجدا من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثامنة مساءً، وفي هذا الوقت يُسمح للناس المستجمين بالسباحة، لكنهم يبقون داخل الماء إلى ما بعد فترة دوام المنقذين".
وأضاف: في العام الماضي كان هناك 15 حالة وفاة غرقا، منها سبع حالات على الأقل في الليل بعد مغادرة المنقذ، وثلاثة حالات قبل الساعة الثامنة صباحاً، وحالتان في موسم الشتاء"، مبينا أن المنقذين لا يهملون عملهم، فهم ذوو كفاءة عالية ومعداتهم موجودة في ميدانهم".
ونوه إلى أن الفتيات اللاتي غرقن مؤخرا على شاطئ السودانية، كنّ يسبحن بعيدا عن نطاق أبراج المنقذين، وقريبا من خطوط التماس مع جيش الاحتلال.
منطقة خطيرة
من جهته، أوضح يحي تايه، مدير الإنقاذ البحري في قطاع غزة، أن الغريقات الثلاثة، كن يسبحن في منطقة تبعد عن آخر برج للإنقاذ بالمنطقة الشمالية حوالي 1500 متر، ويبعدن عن سياج الجيش الإسرائيلي حوالي 50 مترا فقط، منوهاً إلى أن المنطقة التي كن متواجدات فيها بعيدة عن المصطافين وخالية من الاستراحات.
وقال تايه لمراسل "شمس نيوز": هذه المنطقة صعبة وخطيرة جدا، حتى أن المنقذين الخمسة الذين أخرجوا الغريقات تعرضوا لإطلاق نار من قبل الجيش الإسرائيلي"، ملقيا بالمسئولية عن الإهمال على عاتق المواطن، ومبرئا ساحة المنقذين والمسئولين.
وأردف بالقول: شاطئ بحر غزة بحاجة إلى 500 منقذ، والمتوفر لدينا 230 فقط، 140منهم يعملون على بند البطالة، وهناك عجز 130 منقذا، وطالبنا الحكومة بتوفير منقذين، لكن الأوضاع الاقتصادية صعبة"، محملاً المواطن ذاته مسؤولية غرقه، "لأن الحالات التي تغرق معظمها تقع بعد انتهاء فترة دوام المنقذين" بحسب تعبيره
ونصح مدير الإنقاذ البحري المواطنين بسماع تعليمات المنقذين، وعدم السباحة إلا في الأوقات التي يكون فيها المنقذ على رأس عمله، والسباحة أمام الرايات الخضراء والبعد عن الحمراء لأنها أماكن خطر، منوهاً إلى أن المنقذ يمنع المواطن من السباحة في الأماكن الخطرة، لكن هناك بعض المواطنين يعاندون.
راحة المصطافين
في ذات السياق، قال عز الدين الدحنون، مدير بلدية بيت لاهيا، إن "هناك تسعة أبراج خاصة للمنقذين في كل منطقة، ولكن مع اتساع الشاطئ وكثرة المصطافين فإنهم يمتدون إلى الشمال، حيث خط التماس مع الاحتلال، وهذه المناطق غير مغطاة بأبراج المنقذين، كما حصل مع الحالات التي غرقت بالأمس وقبلهم".
وأضاف الدحنون في حديثه لـ"شمس نيوز": نستطيع أن نغطي الساحل بالأبراج إلى ما بعد منطقة الواحة شمالا بحوالي 200 متر فقط، وبعد ذلك لا تستطيع البلدية أن تغطي بسبب القرب من الحدود مع الاحتلال، وأغلب الناس يذهبون إلى تلك المناطق القريبة من خط التماس"، لافتاً إلى أن بلديته تحاول مع الدفاع المدني أن توفر راحة المصطافين على شاطئ البحر.
وطالب مدير بلدية بيت لاهيا عامة المواطنين بأن يكون استجمامهم في المناطق القريبة من أبراج المنقذين، مشدداً على أن المنقذين على شاطئ البحر يمارسون مهامهم على أكمل وجه.
الجدير ذكره أن الآونة الأخير شهدت زيادة في أعداد الوفيات نتيجة الإهمال في مراقبة الأطفال المستجمين في برك السباحة الخاصة بالمنتجعات السياحية أو الأندية الرياضية بقطاع غزة، نتيجة عدم توفر شروط وقوانين الأمان والسلامة فيها.
وخلال أسبوع واحد من الشهر الماضي لقي أربعة مواطنين مصرعهم نتيجة غرقهم في برك زراعية وسياحية.
في حين أوضح جهاز الدفاع المدني أن برك السباحة الخاصة في المنتجعات والأندية لا تتمتع بالرقابة ، كون الدفاع المدني جهة غير مخولة بذلك وفقاً للقانون المعمول به في الأراضي الفلسطينية.
ويبقى التساؤل هنا إذاً من المسؤول عن حالات الغرق الكثيرة سواء في البحر أو المسابح الخاصة؟