بعد أربعة أحداث عنف على الحدود السورية واللبنانية منذ بداية الشهر، يخيل أنه لم يعد مبالغا فيه الحديث عن جبهة انبعثت الى الحياة في الشمال. فقد سبق اصابة المظليين الاربعة في الجولان يوم أمس نار صاروخية الى جبل الشيخ من الاراضي السورية، زرع عبوة احبطت في الجولان وتفجير عبوة ناسفة اخرى ضد دورية الجيش الاسرائيلي في هار دوف يوم الجمعة الماضي. هذا التواصل من الاحداث لم يسجل في الشمال منذ حرب لبنان الثانية في 2006.
وتبدأ الوتيرة حتى في التذكير بعهود تواجد الجيش الاسرائيلي في الحزام الامني في جنوب لبنان في الثمانينيات وفي التسعينيات. واذا استمر التصعيد الحالي فان اسرائيل كفيلة بان تكون مطالبة برد أثر حزما. فقد اكتفت اليوم بنار المدفعية الى الاراضي السورية، في المنطقة التي وقع فيها الحدث. ولكن لا يزال تحت تصرف الجيش الاسرائيلي مجال عمل أكبر. فالى جانب التهديدات التقليدية التي اطلقتها اسرائيل، في قنوات مختلفة، نحو دمشق، يحتمل أن تضطر لاحقا الى تحديد شارة ثمن عالية على العمليات من الحدود السورية.
حتى الفترة الاخيرة اعتبرت أحداث اطلاق النار نحو الاراضي الاسرائيلية مثابة "تسرب" غير مقصود لتبادل النار بين نظام الاسد ومنظمات الثوار في الجولان، كجزء من الحرب الاهلية السورية. ولكن الخلفية لسلسلة الاحداث الاخيرة تختلف جوهريا. فقد وقعت ثلاثة احداث في الحدود السورية في المناطق التي تحت سيطرة نظام الاسد، او في جيوب القرى الدرزية التي في سفوح جبل الشيخ السورية، حيث ترابط القوات الموالية للاسد. الحدث الرابع، من الحدود اللبنانية في هار دوف، وقع في المنطقة التي يعمل فيها حزب الله. حتى وإن كانت الهوية الدقيقة للمسؤولين عن هذه الاحداث ليست واضحة، واضح أنه في الجولة الحالية لا يدور الحديث عن مصادفات. فمعسكر الاسد – النظام، حزب الله والميليشيات المتماثلة مع الرئيس – مسؤول عن سلسلة عمليات موجهة ضد اسرائيل.
لا توجد صعوبة في تشخيص الانفجار الذي اشعل الموجة الاخيرة. فقد كان هذا هو الهجوم، المنسوب الى سلاح الجو الاسرائيلي، في 24 شباط من هذا العام. وليس مثل الانفجارات السابقة، ففي شباط قصفت قافلة سلاح في الاراضي اللبنانية وليس في الجانب السوري من الحدود. وقد كان هذا انحراف لبضع مئات الامتار، لا بد أنه نبع من اعتبارات عملياتية صرفة (مثلا، ضمان احتمالات الاصابة الافضل)، ولكنه ولد ردا مختلفا من الطرف الاخر. فعندما وقعت الهجمات المنسوبة لاسرائيل في الاراضي السورية اختار الرئيس بشار الاسد بشكل عام التجلد. اما حزب الله فتصرف بشكل مختلف. بعد وقت قصير من تهديد المنظمة بالرد، جاءت بالفعل سلسلة العمليات. ومنظومة اعتبارات حزب الله تختلف عن تلك لدى النظام السوري، ويحتمل أن يكون الامين العام لحزب الله حسن نصرالله رأى نفسه ملزما بألا يترك الحساب مع اسرائيل مفتوحا.
ولكن يمكن أن يكون تفسير آخر: فالنجاح النسبي لمعسكر الاسد وحزب الله في صد تقدم منظمات الثوار وازالة الخطر الفوري عن الحكم في دمشق أضاف ربما الى مدى ثقتهم بأنفسهم.
على مدى سنوات القتال ضد الجيش الاسرائيلي، اختص حزب الله في تفجير العبوات الناسفة. ويبدو أن العبوات الاخيرة التي تفجرت أو انكشفت على الحدود ركبها مختصون. ويستعد الجيش الاسرائيلي بشكل سليم لمواجهة التهديد الناشيء على الحدود السورية – ففي السنة الاخيرة اقيم جدار جديد، نشرت وسائل جمع المعلومات الاستخبارية ودشنت قيادة فرقة لوائية جديدة، مختصة باعمال الامن الجاري. ولكن يحتمل أنه في الحدث الاخير كان هناك جانب رسوم تعليم للواء. فمن التقارير الاولية عن الحدث يتبين أن هذا كان ما يسمى "عملية جذب". فقد خرج نائب قائد كتيبة المظليين وجنوده لفحص حركة مشبوهة على مقربة من الجدار، وعندما نزلوا من السيارة المحصنة، تم تفعيل العبوة فيما كانوا هم مكشوفين نسبيا. وفي القاطع الذي يجري فيه العمل الميداني بحالة تأهب عالية، على مدى السنين، معروفة جيدا كل نقاط الضعف وطرق عمل العدو. وفي القاطع الذي يتشكل من جديد فقط، يستغرق وقتا الى أن يعثر على كل الثغرات ويتم اغلاقها.
صورة عملياتية مشابهة جدا ترتسم الان في عدد من حدود اسرائيل. دول غير مستقرة، يدور فيها قتال لا يتوقف بين معسكرات متخاصمة (الاسد ضد الثوار في سوريا، الشيعة ضد السنة في لبنان، منظمات اسلامية متطرفة في سيناء ضد نظام الجنرالات المصري)، بعضها على الاقل معادٍ أيضا لاسرائيل. في كل هذه الساحات اسرائيل هي فقط لاعب ثانوي. والحكمة الدارجة تفترض بان اللاعبين المركزيين منشغلون جدا في الحرب كل ضد الاخر من أن يبادروا الى معركة أوسع ضد اسرائيل. ولكن عدم الاستقرار المستمر يقضم بالتدريج من الفقاعة الامنية التي يعيش فيها مواطنو اسرائيل في السنوات الاخيرة، آمنين نسبيا من صدمات الربيع العربي. في هذه الظروف، يخيل أن الجيش الاسرائيلي سيجد صعوبة في أن يواصل توفير الهدوء شبه التام في كل الحدود وعلى مدى الزمن.