يتفق المزارع أحمد السعايدة مع أم درويش في احتفاظ المقاومة الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية بقاعدة جماهيرية واسعة، لكنه يحذر في الوقت نفسه من إمكانية التراجع إذا ما استمر تأخر الإعمار وتدهور الأوضاع المعيشية بشكل كبير.
تقرير: محمد عمران
رغم أنها تعيش مع عائلتها في ظروف بائسة بمنزل متنقل، منذ هدم الاحتلال منزلها في الحرب الأخيرة على غزة، فإن أم درويش عليوة لم تتراجع عن تأييدها للمقاومة الفلسطينية التي يحاول البعض أن يحملها مسؤولية ما آلت إليه أوضاع القطاع من حروب وحصار.
وكما أن المرأة الخمسينية لم تغير قناعتها الراسخة بمسؤولية الاحتلال عن معاناة نحو مليوني فلسطيني بالقطاع، فهي تؤكد أن المقاومة لم تحتفظ بحاضنتها الشعبية الواسعة فحسب، لكن تأييدها الجماهيري آخذ في التزايد كذلك، وفق تقديرها، رغم المحاولات المتكررة لتوجيه أصابع الاتهام للمقاومة وفي مقدمتها حركة حماس بأنها أحد أسباب الأزمات المركبة بغزة.
وتقول إن المقاومة أعادت للفلسطينيين كرامتهم، وحققت بإمكاناتها المتواضعة ما لم تحققه دول عربية بمواجهة إسرائيل، مضيفة أن الحديث عن خسارة المقاومة أو حركة حماس لشعبيتها أمر يتنافى مع الواقع، ومحاولة للالتفاف على فشل السياسيين الفلسطينيين الذين لم يستثمروا إنجازات المقاومة المتراكمة.
ومع تصاعد حدة الأزمات التي تمر بقطاع غزة على المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية، تزايد الحديث عن تراجع شعبية المقاومة وانكماش حاضنتها الجماهيرية، خصوصاً وأن بعض الأطراف الفلسطينية تعتبر أن حماس بمواقفها سياسياً وعسكرياً تتسبب بغياب الحلول لمشكلات غزة.
لكن أم درويش، ككثيرين غيرها ممن تضرروا بشكل مباشر جراء الحصار والحروب، تؤكد أن الوقائع على الأرض تثبت غير ذلك تماماً، فمنذ الحرب الأخيرة، رغم ما فيها من مآس، زادت شعبية حركة حماس، بعدما تكشف للفلسطينيين مستوى الأداء الكبير لذراعها العسكري خلال الحرب والإنجازات التي حققها.
أما المزارع أحمد السعايدة، فإنه كان يتفق مع أم درويش في احتفاظ المقاومة الفلسطينية بمختلف توجهاتها السياسية بقاعدة جماهيرية واسعة، لكنه يحذر في الوقت نفسه من إمكانية تراجع هذه القاعدة الشعبية، إذا ما استمر تأخر الإعمار وتدهور الأوضاع المعيشية بشكل كبير.
لذلك، فإن السعايدة يدعو، خلال حديثه، حركة حماس إلى اتخاذ بعض القرارات السياسية سواء في ما يخص العلاقة مع السلطة الفلسطينية أو الاحتلال، للتخفيف من مأساوية الظروف الراهنة بغزة، وهو ما من شأنه أن يحافظ بل ويوسع من تأييد الشارع للمقاومة والحركة، وفق تقديره.
لا تراجع
في المقابل، لا يبدي الناطق باسم حركة حماس، إسماعيل رضوان، خشية من تراجع الحاضنة الشعبية للمقاومة، لأن الفلسطينيين يتمسكون بها كجزء من فكرهم وعقيدتهم، باعتبارها الخيار الأقصر لتحقيق الحرية والتحرير، وفق تعبيره.
وبينما يستدل رضوان في حديثه على شعبية حركته والمقاومة، بالزخم الذي تحظى به فعالياتها ونتائج استطلاعات الرأي العام الأخيرة الي تصب في صالحها، يبين أنه لولا احتضان الشعب الفلسطيني للمقاومة وتحمله وصموده خلال الحروب الأخيرة لما حققت إنجازاتها.
ويرفض القيادي بحماس تحميل حركته أو المقاومة المسؤولية عما يجري بغزة من حصار ودمار، قائلا إن "المقاومة هي الخيار الإستراتيجي الذي يلتف حوله الشعب الفلسطيني بمختلف تياراته السياسية" ومعتبراً أن الاحتلال هو المسؤول الأساس عن معاناة غزة، بينما تعمل المقاومة على تخفيفها بشتى الوسائل الممكنة، على حد قوله.
بيد أن المحلل السياسي طلال عوكل يعتقد بخسارة المقاومة لجزء من شعبيتها لسبيين، يتعلق أولهما بعدم وجود إنجاز كبير يغير من واقع الناس بشكل مباشر، والثاني بتفاقم الأزمات وغياب الحلول في غزة التي تحكمها فعلياً حركة حماس، وبالتالي انعكاس تعثر الأداء الحكومي للحركة على الأداء العسكري لكتائب القسام.
لكن هذا التراجع وفقدان الثقة يشمل كافة البرامج المطروحة سواء في غزة أو الضفة -وفق المحلل السياسي- الذي يجزم بأن المقاومة لا تتحمل طبيعة النتائج طالما أنها أدت ما عليها وقدمت كل ما تستطيع.
ويضيف عوكل أن التناحر بين البرامج السياسية يتحمل جزءا من المسؤولية عما وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية الداخلية "وبالتالي لن يستعيد أي طرف فلسطيني ما فقده من شعبيته إلا بتقديم تنازلات توافقية وعدم التمترس وراء مواقفه".
المصدر: الجزيرة نت