غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الأيديولوجيا والسياسة يتزاحمان في خطاب حماس

في منطقة يختلط فيها الشأن الدولي بالإقليمي، لا يعود للبعد المحلي تأثير كبير في إدارة الأحداث والتطورات، وهو ما ينطبق بالضرورة على العلاقات البينية بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة، لاسيما بين الحلفاء والأعداء، أو بين الأتباع والمتبوعين، وقد تجلى ذلك في أكثر من حالة، وعلى أكثر من صعيد.

عند الحديث عن إدارة العلاقات الخارجية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، يمكن إسقاط ذلك المفهوم على هذه المسألة، فالحركة الممتدة طولا وعرضا، تحاول في الآونة الأخيرة لملمة ما تناثر من علاقات، وتعيد استجماع ما فقدته من تحالفات، وفي الوقت ذاته تحافظ على ما تبقى من علاقات وثيقة -على قلتها- مع بعض عواصم صنع القرار في المنطقة.

المصالح والمبادئ

تعيش حماس في السنوات الأخيرة مرحلة جديدة في علاقاتها الإقليمية والدولية، تضطرها أحيانا لاتخاذ مواقف سياسية قد لا يكون عليها إجماع داخل الحركة، ربما لأسباب فكرية أيديولوجية، مما يعمل على إظهار تباينات من حين لآخر بين مستوياتها السياسية والدينية والعسكرية، ولا يمثل ذلك مؤشرا سلبيا بالضرورة، لكن تكرراه بحاجة لمزيد من الضبط والتناغم غير المتطابق بالكامل، رغم أن حماس -كما يبدو- تمتلك الآليات التنظيمية القادرة بموجبها على ضبط صفها الداخلي، بما يتوافق مع توجهات قيادتها السياسية.

التباينات المقصودة هنا في مواقف حماس قد تشمل عددا من مكوناتها الفاعلة، بما في ذلك المستويات السياسية والدينية والعسكرية، ويبدو أن لكل منهم فيما يطرح من مواقف وجاهة ومنطقية، صحيح أنها قد لا تجد ذات التقييم من المكونات الأخرى، لكن الحركة حاولت من خلال تبني بعض المواقف أن تكسب فوائد سياسية من أطراف خارجية، رغم أنها في الوقت ذاته عادت عليها بانتقادات من داخل الحركة أحيانا.

ومن هذه الأحداث الكبيرة، التفجيرات التي استهدفت بيروت وباريس في نوفمبر/تشرين الثاني، وتبناها تنظيم الدولة، واستنكرتها حماس، لأنها ترفض ترويع المدنيين وقتل الآمنين، ولأن الشعب الفلسطيني يتجرع الإرهاب ذاته من الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم أن هذا الموقف الإعلامي لحماس، متفق عليه بين مختلف مكونات صنع القرار فيها، لكن نقاشات داخلية بين بعض أوساط علمائها الشرعيين استحضرت الأسباب التي دفعت لتنفيذ هذه العمليات المدانة لمعرفة دوافع تنفيذها، ومنها: لماذا شاركت فرنسا في التحالف الدولي لضرب المسلمين في سوريا، وقتلت منهم المئات؟ ولماذا أرسل حزب الله قواته للأراضي السورية لمحاصرة السوريين؟

التطور الأكثر إثارة في مواقف حماس الأخيرة جاء عقب اغتيال إسرائيل لسمير القنطار، أحد مسئولي حزب الله العسكريين في ديسمبر/كانون الأول بدمشق، حيث دانت الحركة الاغتيال بتصريح مقتضب، وفي وقت لاحق، أصدرت كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس بيانا أكثر إشادة بالقنطار، مما دفع بعض الأوساط الشرعية داخل حماس لاعتبار المبالغة في نعيه مخالفة لما عليه الحركة، بل إن بعض "محبي" حماس طالبها بعدم مجاملة إيران، رغم أن علاقتهما لا تمر بأحسن أحوالها منذ خلافهما حول الملف السوري أواخر 2012، وعدم تحقق زيارة خالد مشعل زعيم حماس إلى طهران حتى اللحظة.

لم يحصل إجماع كبير داخل الحركة على تعزية حماس في القنطار، بل خلافا لذلك فقد أثارت الكثير من الجدل الذي شهدته شبكات التواصل حول مشاركته في قمع الشعب السوري، فيما تطرح دوائر صنع القرار في حماس، أن الحركة بنت موقفها من اغتيال القنطار على أنه سجن ثلاثين عاما في سجون إسرائيل، وليس لديها معلومات دقيقة عن أنشطته في سوريا، وأي انتقاد للتعزية يعود لأن لكل شخص آراء مختلفة.

توالت الأحداث التي شكلت عوامل ضغط على حماس، من خلال اغتيال قائد جيش الإسلام في سوريا زهران علوش بدمشق في ديسمبر/كانون الأول، وفي حين التزمت الحركة الصمت إزاء الحادث، فقد صدر بيان نعي غير رسمي موقع باسم "أبناء حماس في سوريا"، دون خروج تعقيب من حماس، حول نفي البيان أو تأكيده.

توزيع الأدوار

من الواضح أن هناك مساحة واسعة للمناورة داخل حماس بين الخطاب السياسي والديني والعسكري، رغم أنها تستخدم خطابا سياسيا بالدرجة الأولى، واتهامها من بعض خصومها بالتلاعب بالنصوص الدينية، وتوظيفها لخدمة مصالحها السياسية، علما بأن معظم صناع القرار السياسي في حماس لديهم خلفية دينية، وحاصلون على شهادات أكاديمية شرعية، مما يجعل ساسة حماس غير مطالبين بالعودة في كل صغيرة وكبيرة إلى العلماء الدينيين لاستشارتهم والحصول على موافقتهم.

لكن حماس كغيرها من الحركات السياسية ذات المرجعيات الأيديولوجية، تعيش تزاحما بين المصالح والمبادئ، من يتقدم على من؟ وتمثل ذلك -من بين أمور أخرى- في الموقف من طلبات الرباعية الدولية، حيث كان يمكن للحركة أن تجني من استجابتها لها فوائد عدة كرفع حصار غزة، واستقبالها في عواصم العالم، لكنها رفضت الاعتراف بإسرائيل ودفعت ثمن ذلك عبر محاصرة غزة منذ 2006، وثلاثة حروب ضارية شنتها إسرائيل على القطاع في أعوام 2008، 2012، 2014.

إقليميا، هناك من يرى أنه كان يمكن لحماس من الناحية السياسية أن تظل تحت كنف النظام السوري وهو يواصل قتل مواطنيه بالبراميل المتفجرة، لكن حماس لم تستطع مجاراته وتأييده في هذا السلوك الدامي، فانحازت للموقف الأيديولوجي المبدئي، وخرجت من سوريا في فبراير/شباط 2012، رغم تهديد إيران لها بوقف دعمها ماليا إن فعلت ذلك، وشهدت حماس تعددا في الآراء حول الموقف من الأزمة السورية، بين السياسي المصلحي أو الأيديولوجي المبدئي، ومدى دقة هذا الموقف أو خطئه.

وهذا يأخذنا مباشرة لما يقال إنه تطور تدريجي حاصل في علاقات حماس بإيران في الأشهر الأخيرة، فهناك من يرى داخل الحركة أن الابتعاد عن طهران "كلفنا" غاليا، و"حرمنا" من موارد مالية وعسكرية كان يمكن لها أن "تمنحنا" الكثير من أسباب الصمود، لاسيما في غزة المحاصرة، وقد لا يحتاج المرء لكثير من المعلومات للقول إن الدعم الإيراني لحماس بمختلف أشكاله جعلها تواجه كافة أشكال الحصار بين عامي 2006-2011.

أصحاب الرأي المساند للتقارب مع إيران داخل حماس، وإعادة ما تقطع من علاقات، يرون أنه بعد الجفاء الذي أصاب العلاقة مع إيران، لم تستطع الحركة تعويض ذلك النقص الذي طرأ عليها في مختلف قطاعاتها، حتى بعد تقاربها المطرد مع بعض عواصم الإقليم التي لديها ضوابط وقيود في دعم حماس، قد لا تقوى على تجاوزها لاعتبارات عديدة، وهو ما "يضطر" حماس للعودة من جديد لإيران، مع بقاء المواقف على تباينها من أحداث المنطقة وتطوراتها.

لكن المتحفظين على التقارب مع إيران داخل حماس، يعتقدون أن إيران 2016 ليست هي إيران 2006، فحساباتها اختلفت، وتقييمها للعلاقة مختلف بعد أن تأكد لها أن الحركة ليست ذراعا لطهران في المنطقة، كما كان يتمنى صانع القرار فيها، بل للحركة استقلالية في القرار، وبالتالي قد لا يكون الدعم ذاته الذي تأمله حماس جاهزا للصرف المباشر، قبل أن تمر العلاقة بامتحان هنا، واختبار هناك.

أكثر من ذلك، يبدو أن تورط إيران وانخراطها في الحروب التي تعيشها المنطقة، بدء بالعراق، ومرورا بسوريا، وليس انتهاء باليمن، يجعل حماس وهي تقترب منها في موقف لا تحسد عليه البتة، لأن صناع القرار في طهران سيكونون معنيين أكثر من أي وقت مضى بإظهار التقارب مع حماس، في محاولة قد لا تبدو ناجحة لتبييض صفحتها القاتمة في المنطقة، بينما لا يبدو أن حماس لديها ترف الوقت للإجابة عن السؤال المعضلة: من يستفيد أكثر.. حماس أم إيران؟

التحشيد والتبرير

قراءة فاحصة للعديد من المواقف السياسية لحماس، توضح أنها تقدم المبدأ على المصلحة، وربما اتضح ذلك جليا من الأحداث المصرية، بدء بثورة يناير، ومرورا بانتخاب مرسي، وانتهاء بالإطاحة به عبر العسكر، رغم وجود أفراد وعلى مستويات مختلفة في الحركة ينظرون لحساب المصالح المجردة من المبادئ، ويتصرفون بناء عليها، ويظهر ذلك في تصريحات وكتابات وتغريدات لبعض الكوادر والقيادات في حماس.

علما بأن تغليب حماس للخطاب السياسي على الأيديولوجي في بعض المواقف السياسية، قد يجعلها تربح إقليميا ودوليا، عبر ممارستها للبراغماتية السياسية، مع أنها عند الأزمات الصعبة التي تمر بها داخليا وخارجيا تقوم بـ"استدعاء" الطبقة الدينية للمزيد من التحشيد والتجنيد لصالح سلوكها وخطابها، وفي أوقات الراحة السياسية وعدم الضغط، يتم استحضار النخب السياسية البراغماتية.

هذا أمر قد يبدو معتادا في الحركات السياسية ذات المرجعية العقائدية، فحماس تعمل على تدعيم مواقفها السياسية، سواء في خلافاتها على الساحة الفلسطينية الداخلية، أو صراعاتها الخارجية مع إسرائيل، باستحضار نصوص دينية، لإبراز صوابية مواقفها، مما قد يتسبب لها بانتقادات من خصومها بين حين والآخر.

أخيرا.. لعل مراجعة متأنية للخطاب الصادر عن حماس من حين لآخر، يشير إلى أنها تستخدم المفردات السياسية تارة، والأيديولوجية طورا، وتجمع بينهما تارة ثالثة، حسب الموقف الذي يصدر في شأنه خطاب حماس، بحيث لا يستطيع أحدنا أن يحدد مسبقا كيف ستصدر الحركة موقفا محددا حول حدث بعينه، ومع ذلك يبقى السؤال القديم الجديد في حماس: من يخضع لمن في الخطابات والمواقف، السياسي أم الأيديولوجي أم العسكري؟

قد لا تحبذ حماس هذه الأسئلة الحدية للمفاضلة بين مختلف تياراتها وأجنحتها، لكن تجربتها السياسية ربما تشير إلى أنها قامت بعملية مزاوجة بين الاتجاهات السياسية والعسكرية والأيديولوجية، واجتهدت في السير بخطوط متوازية، ففي بعض الأحيان غلبت جانبا على آخر، وفي أحيان أخرى ظهر أن لديها قصورا في فهم بعض التطورات السياسية، ففهم منها البعض على أنها نظرة أيديولوجية، وهي ليست كذلك.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".