في تحد لواقعه المرير الذي يحرمه من أطرافه، تمكّن الفلسطيني يوسف أبو عميرة من مواصلة حياته الطبيعية والقيام بمهام لا تقل عن غيره، فيمضي في تعليمه الجامعي ويحقق أحلامه وأحلام والديه، لكنه يشتكي من إهمال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لاحتياجاته.
تقرير: أيمن الجرجاوي
في غزة وقبل 15 عاما لم تكن والدة الشاب الفلسطيني يوسف أبو عميرة تتوقع أن يلتحق ابنها بالمدرسة كالأطفال في سنه، لكنها اليوم تبدي فخرا منقطع النظير به وهو يتميز في دراسته الجامعية.
يوسف (20 عاما) وُلد دون قدمين وبنصفي ذراعين، لكنه يقوم بأكثر من 90% من المهام اليومية التي يؤديها الأشخاص العاديون، ولا يجد كثيرا من العناء في ذلك.
تحدي الإعاقة
كان منظره ملفتا لوالدته وهو يمسك القلم بين ذراعه وخده، حين بلغ الخامسة من عمره، رغم عدم التحاقه برياض الأطفال، وكأنه يخبرها أنه قبل التحدي وقرر خوض غمار الحياة، فعلمته أمه كتابة الأرقام والحروف، وألحقه والده بمدرسة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
مرت سنوات دراسته، ولم يحتج الكثير من جهد والدته، فهو معروف بنباهته، ودائم التكريم بين زملائه، فكبرت أحلام والديه مع كل سنة يكبرها، حتى حقق حلمهما والتحق بكلية الشريعة والقانون بالجامعية الإسلامية بغزة، "ليتفقه في الدين ويرد المظالم".
يدرس الشاب المجتهد السنة الثانية في الجامعة بعد أن حصل على "منحة إعاقة" بنسبة 70%، ونظرا لتفوقه وحصوله على معدل 93%، حصل على منحة أخرى، فأصبح يدرس بمنحة كاملة، وينوي إكمال الدراسات العليا بعد ذلك.
وفي الوقت الذي كان ينظر البعض فيه ليوسف بشفقة وعطف، ويضايقونه بكلماتهم المثبطة، أصر هو على تحديهم بعزيمته وإرادته، فعزز من ثقته في نفسه، وأصبح همه الوحيد أن يحقق إنجازا ويترك بصمة في الحياة.
ممارسة المهام
ويقوم يوسف -الابن الذكر الوحيد لوالديه- بمعظم المهام اليومية وحده، فيتنقل من مكان لآخر متدحرجا، ويصعد السلالم وينزل، ويستخدم الهاتف والحاسوب الشخصي، بالإضافة لتناول الطعام والمشروبات ومطالعة الكتب، حتى إنه يولج الخيط في سم الخياط (الإبرة).
ويبدو الفلسطيني راضيا كثيرا بقدره، ويعتبره أفضل من الجرحى الذين تعرضوا لبتر في أطرافهم، فهم اعتادوا على الحياة الطبيعية، وانقطعوا عنها، لكنه ولد بلا أطراف، واعتاد على ذلك أيضا.
ويصر يوسف ذو الاحتياجات الخاصة على إثبات قدراته، فشارك في مسابقة لعرض المواهب بجامعته، وأدى بعض حركات الجمباز والتحكم بالكرة، لكنه يشتكي من عدم اهتمام النوادي الرياضية بمن هم مثله، ويتدرب أحيانا بشكل منفرد في منزله.
ولا تشعر هُدى والدة يوسف بأن ابنها معاق أو يقل عن غيره من الشبان، بل تبحث له عن عروس مناسبة لتزوجه بها، ولترى أبناءه قبل مماتها، "فهو ابني الوحيد الذي لا أُبدله بعشرة من الأولاد بأطراف".
متطلبات مُلحّة
ويتميز الشاب بالدعابة والروح المرحة، فهو لا يحب الحزن والأسى رغم إعاقته، دائم الضحكة، اجتماعي مع الأصدقاء والجيران، لكن نقص بعض احتياجاته يُنغّص عليه حياته أحيانا.
يسكن يوسف في الطابق الثالث، ويحتاج للصعود إليه لتخطي نحو 50 درجة في كل مرة، فيبذل جهدا كبيرا لفعل ذلك، ويطمح أن يستقر بمنزل أرضي مجهز بأدوات ذوي الاحتياجات الخاصة ليتخلص من معاناته اليومية.
ورغم عدم توفقه برحلة علاجه في ألمانيا عام 2010، والتي تكفل بها العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، فإن الشاب يطمح لتركيب أطراف صناعية ذكية، تساعده على أداء وظائفه بطريقة مريحة.
ويشتكي من تجاهل المؤسسات الرسمية والأهلية لمتطلباته، فوزارة الشؤون الاجتماعية قطعت مساعدة مالية بمئتي دولار كانت تصرفها له كل ثلاثة أشهر، في وقت تصرف له إحدى المؤسسات أربعين دولارا فقط شهريا، وغيرها عشرات المؤسسات التي تأخذ بياناته دون أن تقدم له المساعدة.
وعن تجربته في الحياة دون أطراف، يختتم يوسف حديثه بقوله "في البداية كانت صعبة كثيرا، لكنني عندما كبرت تغلبت على كل شيء صعب، وأصبحت حياتي بالنسبة لي طبيعية".
المصدر: الجزيرة