قائمة الموقع

خبر صنع في الصين.. ماكنات بغزة لتزييف العملات و"أشباح" تدير الشبكات

2016-03-08T12:47:29+02:00

شمس نيوز / عبدالله عبيد

يبدأ سائق التاكسي أبو أحمد صلاح (44 عاما)، بتفقد كل عملة نقدية يضعها الركاّب بيده، بعد أن يدقّق النظر فيها متفحصاً تفاصيلها سواء من خلال فركها بأصابعه للتعرف على ملمسها أو عن طريق الضوء المتواجد في عربته، ليتأكد من أنها غير مزيفة، بعد أن وقع ضحية "تزوير النقود".

حال السائق صلاح كأغلب سائقي التاكسي في قطاع غزة، الذين يشتكون من "العملات المزيفة " التي بدأت بالانتشار خلال الفترة الأخيرة، ليقول في حديثه لمراسل شمس نيوز": أنها ليست المرة الأولى التي تمر عليه عملة مزيفة، فكثير من العملات اكتشفت أنها مزورة، وأحياناً تدخل علي دون كشفها، وبالأخص من فئة 5 و10 شيقل".

ويضيف: بشكل يومي تمر علينا كسائقين عملات مزيفة من الركاب من فئة  5أو 10 شيقل وحتى ورقة الـ 20 شيقل"، مشيراً إلى أنه بات يتفحص أي عملة يحصل عليها من خلال النظر إليها في الضوء أو بالملمس.

وأوضح صلاح أن السائقين يكشفون الأموال المزورة عند لمسها، لأنهم يتعرضون يومياً لمثل هذه الحالات، مردفاً في حديثه: العملة من فئة 5 أو 10 شيقل مع مرور الزمن من الممكن أن تصدأ أو يختلف لونها، أما بالنسبة للورقية من فئة الـ 20 و50 أو 100 شيقل فالأصلية يكون ملمسها خشن كون الورق المستخدم فيها خاص، أما المزيفة تكون ناعمة، بالإضافة إلى أن صورة الشخص المطبوع في تلك العملات لا يمكن ضبطها 100% عند تزييفها".

ويتابع: وضع سائقي الأجرة بات صعباً خصوصاً هذه الفترة، ونقوم بجمع المال من خلال العربات التي هي مصدر رزقنا الوحيد، بعد مواصلة العمل طوال النهار للحصول على احتياجات الأسرة اليومية".

وانتشرت في قطاع غزة الآونة الأخيرة ظاهرة العملة المزيفة في تحد جديد يضاف إلى جملة التحديدات التي تواجه الغزيين، وتهدد فئة كبيرة منهم خاصة التجار وأصحاب محال الصرافة؛ وتضعهم في مواقف محرجة، وتجعلهم ضحية "لشبكات العملات المزورة، إضافة إلى تكبيدهم خسائر اقتصادية فادحة جراء دقتها وحبكتها وصعوبة اكتشافها وانتشارها بين العملات في السوق الغزية.

وأعرب عدد من المواطنين الغزيين عن استيائهم من الطريقة التي يتفحص بها سائقي التاكسي عند إعطائهم أجرتهم، معتبرين هذا الأمر "مخجل" بالنسبة لهم ويضعهم في مواقف محرجة.

طرق تزييفها

"شمس نيوز" قابلت أحد الأشخاص الذين عملوا سابقاً في مجال تزييف العملات وترويجها، حيث أوضح أن العملة المزيفة تتم بطريقتين في غزة، أولاً شرائها من خارج القطاع وبالأخص من بعض الأشخاص في مصر، وثانياً تزييفها محلياً باستخدام آلة لطباعة النقود الورقية.

وقال: المبالغ التي يتم التعامل معها كبيرة جداً، مثلا نشتري 10000 دولار مزيفة من شخص في الخارج، بمبلغ قدره 7000 آلاف دولار، وهكذا تتم العملية"، منوهاً إلى أن هذا النظام السائد في غزة.

وأضاف أن هناك ماكينات عند بعض الأشخاص من داخل القطاع لصناعة العملة المزيفة، سواء بالشيقل أو الدولار"، مشيراً إلى أن العمل في مجال تزييف العملات عن طريق شبكات ومجموعات تترأسها شخصيات و"رؤوس كبيرة"، بحسب وصفه.

وحول طريقة العمل في هذا المجال، بيّن المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن أحد الأشخاص أغراه بالأموال، " وعدني بإعطائي يومياً  200 شيقل، وهذا المبلغ بالنسبة لي كبير في ظل الوضع الاقتصادي الذي نعيشه، مقابل أن أقوم بصرف أموالا مزيفة بحقيقية عن طريق البنوك أو محلات صرافة"، لافتاً إلى أن أغلب العملات التي تعامل معها آنذاك من فئة الـ 100 دولار.

قطعاً متفرقة

"العملات الحديدية كـ 5 و10 شيقل يتم إدخالها جاهزة من الخارج، أما العملة الورقية يتم طباعتها من خلال آلات خاصة بتزييفها وهي موجودة عند بعض أشخاص في غزة"، يقول مصدر آخر عمل في شبكات "تزوير العملات".

وبحسب المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، فإن أجهزة الشرطة ألقت القبض على كثير من الأشخاص الذين يمتلكون "ماكينات تزييف أموال" في غزة، منوهاً خلال حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أنها ألقت القبض قبل فترة قصيرة على شخص بحوزته مليون دولار مزيفة.

وأشار إلى أن هذه الآلات يتم استيرادها من الصين، كاشفاً عن الطريقة التي تدخل بها تلك الآلات إلى غزة، " فلم تدخل الماكنة الخاصة بالتزييف بصورة كاملة، بل قطعاً متفرقة كي لا يتم كشفها"، موضحاً أن سعر الماكنة يصل إلى 40 ألف شيقل إسرائيلي.

وعن الآلية التي يتم من خلالها طباعة الورقة النقدية من خلال هذه الماكينات، يقول المصدر: أولا يتم تجميع الورق قبل طباعة الشكل الخاص عليه سواء شيقل أو دولار، وبعد ذلك يتم غسلها بمغاسل خاصة حتى تتم العملية على أكمل وجه، وبعد الغسيل يتم طباعتها من خلال الآلات بطريقة معينة".

وكشف أن العمل في هذا المجال "لم يكن بصورة فردية بل من خلال مجموعة من الأشخاص والشبكات"، مشيراً إلى أن هناك أفراداً مسؤولين يديرون بالخفاء مجموعات في غزة ليروّجوا لهم عملاتهم المزيفة مقابل أجورهم، ويكون لهم علاقة مع أشخاص من خارج غزة"، حد تعبيره.

وتعد العملات الأكثر تداولاً، بين شبكات "الأموال "المزورة" العملات الورقية، من فئة 50 و100 شيقل بالإضافة إلى الـ 100 دولار، والمعدنية خاصة من فئة "5 و 10" شواقل، التي سرعان ما تغلغلت في الأسواق الغزية، الأمر الذي ولد حالة من الفزع لدى المواطنين كونها تبدو للوهلة الأولى كنسخة مطابقة للقطع الأصلية.

تراجع السيولة

الخبير الاقتصادي، د. ماهر الطباع يرجع حالات انتشار تزيف العملات، إلى سوء الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه قطاع غزة، مشيراً إلى أن القطاع يعاني من معدلات بطالة تتجاوز 40% "أكثر من 200 ألف عاطل عن العمل"، بالإضافة إلى انتشار الفقر والفقر المدقع الذي وصل 65%.

ويرى الطباع في حديثه لـ"شمس نيوز" أن شبكات تزوير الأموال لم تصل لحد الظاهرة، معتبراً العمل في هذا المجال محاولات فردية.

ويضيف: قضية التزوير لا تتعدى الظاهرة الكبيرة، فهي محاولات من بعض الفئات لكسب الأموال بطريقة غير شرعية"، مشدداً على أنها تضر بالمواطنين والاقتصاد الفلسطيني.

واعتبر الخبير الاقتصادي عدم وجود عملة فلسطينية أدى إلى وجود عمليات تزوير، منوهاً إلى أن النقود المزيفة تستهدف المواطنين والتجار وسائقي التاكسيات وغيرهم، بحسب الطباع.

يُشار إلى  أن الفلسطينيين لا يملكون عملة رسمية منذ عام 1948، ويتداولون الشيقل الإسرائيلي عملة رئيسية متداولة، إضافة للدولار الأمريكي والدينار الأردني واليورو الأوروبي، بعد إلغاء الجنيه الفلسطيني إبان النكبة الفلسطينية.

ووفقا لتقارير أعدتها مؤسسات دولية، فإن 80% من سكان قطاع غزة باتوا يعتمدون، بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.

خسائر غير متوقعة

المواطن الأربعيني فايز الشيخ صاحب "سوبر ماركت"، أشار إلى أنه تعرض للكثير من عمليات التزييف التي يقوم بها مروجو هذه العملات في الفترة الأخيرة، مما تسببت له ببعض الخسائر التي لم يتوقعها.

ولفت الشيخ لـ "شمس نيوز"إلى أنه تعرض لعملية تزوير قبل فترة ليست بالبعيدة، من خلال ورقة نقدية بقيمة 100 شيقل، "لم أكتشف تزييفها فكثيراً من المستهلكين اشتروا بضائع، ولم أذكر من قام بإعطائي إياها وهذه العملية تكررت معي أكثر من مرة ".

ومن طرق الكشف عن النقود المزيفة، أوضح أنه كان يستخدم المغناطيس سابقاً لمعرفة العملات الحديدية المزورة، "فإذا التقطها المغناطيس تكون عملة صحيحة، وإذا سقطت أرضاً فهي مزيفة"، منوهاً إلى أن العملات الحديدية المزيفة الآن اختلفت عن السابق، لأن صانعيها اكتشفوا أمر المغناطيس وجعلوها تلتصق به كما العملة الحقيقية"، حسب وصفه.

وحمّل الشيخ الجهات الرسمية في قطاع غزة المسئولية عن تفاقم ظاهرة انتشار العملة المزيفة في الأسواق، باعتبارها باتت تهدد المواطنين في أرزاقهم، لافتا إلى أنه يتفقّد كل عملة تدخل عليه في المحل مهما كان قيمتها لكي يتأكد من سلامتها.

حالات فردية

على الرغم من إلقاء أجهزة الشرطة الفلسطينية في غزة على العديد من العصابات التي تقوم بترويج العملة المزورة، إلا أن المتحدث باسم الشرطة أيمن البطنيجي نفى انتشارها بشكل كبير في قطاع غزة.

وبحسب البطنيجي فإن معظم الحالات التي ألقت الشرطة عليها القبض حالات فردية، لافتاً إلى أنه لدى المباحث والأدلة الجنائية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة، طاقم متخصص لمتابعة مثل عمليات التزييف وسهول الكشف عنها في الفترة الحالية.

وقال لـ"شمس نيوز": تم إلقاء القبض على العديد من العصابات يعملون في العملة المزيفة، وأخيراً تم كشف مجموعة كانت بحوزتها آلات تقوم بطبع العملات المزيفة"، موضحاً أنه " ليس من الصعب دخول تلك الآلات لغزة، والتي أغلبها صينية الصنع".

وبحسب إحصائيات صادرة عن نيابة غزة الجزئية، فإنه تم إتلاف حوالي 48.9 ألف دولار أمريكي، إضافة إلى 64.5 ألف دولار شيكل مزورة، خلال العام 2013.

وأصدرت أيضاً إحصائية عام 2015، شهدت تسجيل 51 قضية تداول عملة مزورة، فيما شهد عام 2015 تسجيل 63 قضية.

وبحسب تصريحات أحمد كلخ، رئيس قسم التزييف والتزوير في المعمل الجنائي بوزارة الداخلية الفلسطينية، فإن جريمة تزييف العملات لم ترتق في غزة إلى مستوى "ظاهرة"، "إلا أن وجودها يشهد نوعاً من الانتشار في السوق المحلية والتداولات اليومية بين المواطنيين، ولاحظنا ظهور هذه الجرائم، بالتزامن مع انتشار التكنولوجيا في قطاع غزة، وآلات الطباعة الحديثة، التي تُعطي صورة طبق الأصل للصور المزيفة".

الكسب الحرام

تعتبر تزييف العملات من طرق الغش التي يلجأ إليها بعض الأشخاص لكسب الأموال بطريقة غير شرعية، الأمر الذي حرّمه الإسلام قطعاً، ليؤكد الشيخ والداعية، د. ماهر السوسي أن آياتٍ كثيرةً في القرآن الكريم تحرم الكسب الحرام، عادّاً العمل في تزييف العملة من طرق الكسب الحرام.

واستعرض د. السوسي في حديثه لـ"شمس نيوز"، آية تدلل ذلك، بقوله تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ"، موضحاً أن شبكات النقود المزورة من صور أكل أموال الناس بالباطل؛" لأن من يروج مثل هذه العملات يستبدلها بعملات صحيحة يأخذها من أيدي العامة".

وأشار إلى أن الرسول نهى عن هذا الأمر، مستشهداً بحديثه ﷺ: "من غشّنا فليس منا"، " وهذا العمل طريقة من طرق الغش، فهي في ظاهرها خداع للناس، لأن مروجها يوهم المواطن بأنها عملات صحيحة، ويأخذ منه ما يقابلها من أموال غير مزيفة"، بحسب الداعية السوسي.

وبيّن أن  انتشار الأموال المزيفة يُلحق بالمجتمع أضراراً اقتصادية، وأضاف: " في الإسلام لا ضرر ولا ضرار".

ونُشر مؤخرا خبر ارتفاع الطلب على الأجهزة الخاصة بكشف تزوير العملات في العديد من الدول العربية، بعد تصاعد مخاوف الكثير من المؤسسات والشركات التجارية ومعارض بيع السيارات التي تستخدم الدفع نقداً في تعاملاتها، من تزييف العملات الورقية.

اخبار ذات صلة