من أسرار القرآن:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ*)
(البقرة:183)
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار
تشير هذه الآية الكريمة إلي الحقائق التشريعية, والعلمية, والإنبائية التالية: أن صوم شهر رمضان هو فريضة تعبديه فرضها الخالق- سبحانه وتعالي- علي جميع المكلفين من خلقه من بدء الخليقة إلي قيام الساعة, وفي ذلك يقول رسول الله - صلي الله عليه وسلم-: "صوم رمضان كتبه الله علي الأمم قبلكم".
وأن سيدنا محمدا - صلي الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين, فليس من بعده من نبي ولا رسول. وأن الهدف من هذه العبادة هو تحقيق تقوي الله - سبحانه وتعالي-. والتقوى تتحقق بالإيمان الصادق بالله, وبملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر( خيره وشره), وبإخلاص العبودية له وحده, وبتنزيهه -سبحانه وتعالي- عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وبخشيته في السر والعلن, والتقوى هي الوقاية من الوقوع في حدود الله.
والصائم يجمع إلي العبادات المفروضة وسننها العديد من السنن الأخرى التي منها: صلاة التراويح, وقيام الليل (التهجد), والمواظبة علي تلاوة القرآن الكريم وحسن مدارسته وتدبر آياته, والعيش في نور هدايته. ويتحقق ذلك بالمزيد من التفقه في الدين, وحضور مجالس العلم, والاعتكاف في العشر الأواخر من الشهر, وتحري ليلة القدر وقيامها, وأداء العمرة في رمضان إن استطاع إلي ذلك سبيلا, والإكثار من الدعاء, وذلك لأقوال رسول الله - صلي الله عليه وسلم- التي منها ما يلي: "عمرة في رمضان تقضي حجة", أو قال: "حجة معي". "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد". وعن أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها- أن النبي - صلي الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله, تم اعتكف أزواجه من بعده.
وصيام رمضان يعود الصائم علي الالتزام بمكارم الأخلاق, وفي ذلك يقول المصطفي- صلي الله عليه وسلم-: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث والصيام جنة, فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث, ولا يصخب, فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم", "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
ومن مكارم الأخلاق الجود والكرم, والبذل في سبيل الله عونا للفقراء والمحتاجين مما يعين علي حسن التواصل بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الواحد, ويزيل آثار الحسد والحقد والغل من قلوب المحتاجين. وهكذا كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن وسئل- صلي الله عليه وسلم-: "أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان".
وقال: "من فطر صائما كان له مثل أجره, غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء.