أسفرت مباحثات المصالحة التركية الإسرائيلية قبل أيام عن إلغاء الفيتو التركي أمام مشاركة إسرائيل في تدريبات حلف الناتو، بل ستفتح إسرائيل للمرة الأولى مكتبا لها في بروكسل حيث مقر الحلف، تمهيدا لعضويتها في الحلف مستقبلا.
وهذا الأمر يفتح الباب أمام سيل من الأسئلة العسكرية والسياسية، حيث سنحاول تاليا معرفة إلى أين تذهب إسرائيل في عضويتها القادمة في حلف شمال الأطلسي، وما انعكاسات ذلك على وضعها في المنطقة العربية المشتعلة، وما هي الفوائد المتبادلة بين إسرائيل والحلف من العضوية المرتقبة؟
ميزات التقارب
تعتبر إسرائيل من بين الدول المتوسطية التي عمل حلف الناتو على تعزيز التعاون معها، في ضوء جملة من الأسباب والعوامل الأساسية، أهمها الرؤية الإستراتيجية الجديدة التي يتبناها الحلف، تمشيا مع التطورات العالمية في أعقاب نهاية الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفيتي، والاستجابة لأنماط جديدة من التهديدات المختلفة بصورة جذرية عن التهديدات التقليدية التي واجهها الحلف من قبل، وتنويع الوظائف التي يقوم بها الحلف، وعدم اقتصارها على الجانب العسكري فقط، وتعزيز وجوده في مناطق جغرافية خارج نطاق عمله التقليدي أيام الحرب الباردة.
ونتيجة لحجم الفوائد الدبلوماسية والسياسية التي قد تحصدها نتيجة مشاركتها وانخراطها في فعاليات الحلف المختلفة والمتعددة، أصبحت إسرائيل تنظر للعلاقة مع الحلف، وصولا للحصول على العضوية الكاملة، ليس باعتباره غاية بحد ذاته، بل باعتباره نافذة لتحقيق مكاسب أخرى؛ فالحلف لا يمثل تحالفا عسكريا فحسب، بل مؤسسة سياسية دولية ذات تأثير عميق.
وينطوي تعميق التعاون الأمني بين إسرائيل والناتو، على ميزات في أربعة مجالات رئيسة، هي:
1- السياسي الدبلوماسي: تعتقد إسرائيل أن اقترابها من حلف الناتو، وصولا لأخذ العضوية الكاملة فيه، سيؤدي بشكل تلقائي لتعزيز مكانتها السياسية في المنطقة والعالم، وسيتضح للفلسطينيين والدول العربية الأخرى، أن المجتمع الدولي بلور علاقات ضرورية معها، وباتت تحظى باتفاق واسع مع عدد كبير من الدول، رغم أن معظم دول الحلف لا تتفق مع إسرائيل في سياساتها تجاه الفلسطينيين، لكن ذلك لم يمنعها من التعاون معها في المجالات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية.
2- الإستراتيجي الأمني: انخراط إسرائيل في حلف الناتو سيزيد من قوة ردعها في مواجهة أعداء محتملين يتربصون بها، ويدفعهم للأخذ بعين الاعتبار أنها لن تكون وحيدة في حالة حدوث مواجهة عسكرية معهم، كما ستتحسب الأطراف المعادية لإسرائيل من تبعات تعميق التعاون الأمني لإسرائيل مع الحلف، إذ قد يؤدي لزيادة لتوسيع العمل الأمني ضدهم عند الحاجة.
3- العسكري التكنولوجي: انضمام إسرائيل لحلف الناتو سيتيح لها الاطلاع على منظومات تكنولوجية متقدمة ووسائل قتالية أخرى، بما يمكنها من مواجهة التهديدات المستقبلية التي تتعرض لها، على مستوى الحروب العسكرية، أو التحديات الأمنية الآنية، كما أن التدريبات المشتركة مع الحلف ستحسن خبرة الجيش الإسرائيلي، وقدرته على تفعيل قوته بشكل واسع، لأنه سيطلع على مصادر معلوماتية ووسائل عمل غير متاحة أمامه الآن.
4- الاقتصادي التجاري: تطمح إسرائيل من اقترابها من حلف الناتو لتحقيق مكانة خاصة تتعلق بصفقات السلاح، واستيراد وتصدير المعدات الأمنية والقتالية مع دوله، بما يعزز من مكانتها الخاصة مع الولايات المتحدة، كونها توصف بـ"أهم حليفة لها خارج نطاق الناتو".
وبالتالي، يمكن القول إن اقتراب إسرائيل من حلف الناتو، وصولا لمرحلة الانخراط الكامل فيه، والحصول على عضويته، يخدم مصالحها الإستراتيجية والسياسية والأمنية، وينطوي على الكثير من المزايا والإيجابيات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن انضمام إسرائيل لما يسمى بـ"قوة الجهد الفعال" التابعة لحلف الناتو، يعتبر تطورا في غاية الأهمية، في وقت تجد فيه تل أبيب مشكلة مستعصية في منح عملياتها العسكرية شرعية دولية، ومسوغات قانونية، وتسويقا دبلوماسيا، ويأتي موافقة الحلف على انخراط إسرائيل في صفوفه نوعا من تقديرها، أو منحها شهادة حسن سلوك لها.
كما أن انضمام إسرائيل لقوات الحلف البحرية يمنحها فرصة التواجد في أماكن بعيدة، دون لفت نظر أو اشتباه، مما يجعلها إشراكها في قوات الحلف قفزة في علاقاتها الإستراتيجية مع الغرب، وبداية القبول العلني لها في المعركة العالمية لمكافحة ما يوصف بـ"الإرهاب الدولي".
محطات مشتركة
في ظل الرقابة العسكرية التي تفرضها إسرائيل على تحركات جيشها داخل حدودها وخارجها، تم تسريب جزء يسير من مشاركات القوات الإسرائيلية مع حلف الناتو، يمكن الإشارة إلى عينات منتقاة خلال السنوات القليلة الماضية،
ومن أهمها:
1- إرسال ضابط كبير من سلاح البحرية الإسرائيلي لقاعدة الناتو في نابولي الإيطالية، لترتيب مشاركتها بشكل نهائي، قبل وضع أسس لطواقم ارتباط إسرائيلية مستقرة في القيادة. وتضم قيادة القوة ضباط استخبارات بحرية من عدة دول، ليست بالضرورة أعضاء في الحلف، يتولون تحليل حركة السفن في المياه الإقليمية لدول البحر المتوسط، والتعرف على هويتها، وهو ما يحمل انفتاحا علنيا وغير مسبوق على إسرائيل التي اعتبرته اختراقا ونصرا، لأنها أول مشاركة إسرائيلية علنية في مهمات عسكرية ينفذها حلف الناتو منذ تأسيسه.
2- قامت وحدات الطيران في الجيش الإسرائيلي لأول مرة بإجراء تمرينات في إيطاليا بالتعاون مع وحدات الطيران التابعة للناتو، للتدرب على أماكن مجهولة لم يتعود سلاح الجو الإسرائيلي على مهاجمتها، تحت شعار "الهجوم على المجهول".
3- زيادة الصفقات التسلحية بين إسرائيل والحلف، حيث تشترى بعض دول الحلف من إسرائيل نظم القتال المستقبلية الأكثر تقدما، ووصل التعاون بينهما إنشاء "فريق مشترك مدمج"، حيث يقوم الإسرائيليون حاليا في إطار تعاوني كبير مع الأوروبيين بتصنيع طائرة بدون طيار جديدة مختلفة تماما عن الأصلية.
4- للمرة الأولى في تاريخها، شاركت قوات من حلف الناتو في مناورة للجبهة الداخلية الإسرائيلية (نقطة تحول 6)، حيث وصلت وحدات إسناد وإنقاذ من الحلف للتموضع في مناطق الدمار الكبير المفترض في المناورة.
5- شارك ضباط كبار في مجال الطب من جيوش دول الحلف في التمرين الطبي الواسع في إسرائيل، التي قدمت خلاله حلولها المتبلورة للتعامل مع حوادث وكوارث تؤدي لسقوط عدد كبير من الإصابات.
6- مشاركة إسرائيل في مناورات بحرية أجراها حلف الناتو في البحر الأسود، حيث شارك الجيش الإسرائيلي بـ"فرقاطة" من سلاح البحرية للمرة الأولى، واستهدفت التدريبات اختبار القدرة على القيام بعمليات إنقاذ بحرية.
7- اتفاق حلف الناتو وإسرائيل حول أشكال إسهامها في العملية البحرية الرامية لمكافحة الإرهاب التي نفذها الحلف في البحر المتوسط، وعزم إسرائيل وضع وحدة البحث والإنقاذ الخاصة بها تحت تصرف الحلف في حالات الطوارئ المدنية.
8- امتداد التعاون بين إسرائيل وحلف الناتو في مجال تحقيق التوافق بين أسلحتهما، حتى يمكن للطرفين العمل معا في عمليات عسكرية مشتركة مستقبلا، بما في ذلك إجراء تدريبات مشتركة نظرية وعملية على الدفاع ضد تهديد الصواريخ بعيدة المدى المنتشرة في المنطقة.
9- إقامة ورش عمل مشتركة بين الحلف وإسرائيل للبحث في سبل التعامل مع حوادث ينجم عنها أعداد ضخمة من المصابين في عمليات مسلحة معادية، بمشاركة خبراء من دوله الأعضاء.
نقاط الخلاف
رغم أن الإرث التاريخي بين إسرائيل وحلف الناتو، أوجد مستوى من التنسيق والتواصل على مدار الساعة، وجعل علاقاتهما بعيدة عن مراحل التوتر والقطيعة، ولكن يمكن القول إن هناك بعض نقاط الخلاف التي تكونت عبر مراحل تاريخية متعددة، لعل أهمها التي أعقبت حروب 1967، 1973، 1982، وانتصار إسرائيل على جيرانها العرب، وتأمين حدودها، حيث بدا التباعد بين إسرائيل والحلف، لأن إسرائيل ليست بحاجة للحماية، فيما تنبهت دول الناتو لخطورة عدم توازن مواقفها في الصراع العربي الإسرائيلي على مصالحها في المنطقة.
وفي السنوات الأخيرة، ظهر خلاف بين الناتو وإسرائيل بسبب معارضة الأخيرة لخطة لنشر قوات تابعة للحلف في الضفة الغربية لكبح الأنشطة المسلحة المعادية، لكن الرفض الإسرائيلي للخطة جاء باعتبارها "سيئة جدا"، فالحلف لن يعرض حياة جنوده للخطر للدفاع عن الإسرائيليين من الهجمات الفلسطينية المسلحة، كما تكرر عرض مشابه للحلف بإرسال قواته لقطاع غزة أواخر 2005، بعد انسحاب إسرائيل منه.
كما خشي الإسرائيليون من المواقف السياسية لدول الناتو من الصراع العربي الإسرائيلي، لكن قادة الحلف طمأنوا الإسرائيليين بعدم وجود رغبة أو نية للحلف للتدخل في عملية السلام، علما بأن بعض قوات الناتو شاركت إسرائيل في عمليات التفتيش البحرية، عقب انتهاء حرب غزة 2008-2009، لوقف تهريب الأسلحة للقوى الفلسطينية في القطاع.
هذا الخلاف، يدفعنا للحديث عن تيارين إسرائيليين في التعاطي مع مسألة الانضمام لحلف الناتو:
أ- تيار يرى في انضمام إسرائيل للحلف فرصة توفر لها جملة من الأهداف والفوائد متعددة الأشكال، وضمانة أمنية واقتصادية هائلة، وخلق حالة تفوق سياسية وعسكرية لصالح إسرائيل، مع الموافقة على دفع "الاستحقاقات" المطلوبة للانضمام، كتعريف الحدود، والتوصل لاتفاقات سلام مع الفلسطينيين والدول العربية، وإنهاء التمييز ضد العرب.
ب- تيار لا يرى في انضمام إسرائيل للحلف ميزة لها، بل ربما تكون عبئا على استقلالية قرارها، وتقييد حركتها العسكرية، ومنعها من المبادرة لشن حروب استباقية وهجومية ضد الفلسطينيين والعرب، بداعي الدفاع عن نفسها، بل إن أعضاء الحلف قد يطالبونها بخفض مستوى عملياتها الحربية، كما أن الانضمام للحلف يلزم إسرائيل بتقديم تنازلات إقليمية عن بعض الأراضي الفلسطينية والعربية، مما لا يوجد حوله إجماع إسرائيلي.
أخيرا.. تدرك إسرائيل جيدا أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها من الغربيين، يحرصون دائما على إبقاء سلطة لهم في الشرق الأوسط، وتشير مجريات الأحداث -لاسيما بعد أحداث الثورات العربية، ودخول عدد من الدول العربية في حالة حروب أهلية طاحنة- إلى أن واشنطن تعتبر حلف الناتو وإسرائيل بمثابة يدها الباطشة التي تستخدمها لتنفيذ سياساتها، وتحقيق طموحاتها في هذه المنطقة الساخنة الحساسة.
ورغم وجود بعض الخلافات داخل الحلف، فإن المصالح المتشابكة لأميركا والاتحاد الأوروبي، تجعل إسرائيل عضوا في حلف الناتو، وفق سياسة الأمر الواقع، ولذلك تمت تهيئة الأوضاع ليتخذ الطرفان (الناتو وإسرائيل) مسئوليات كبيرة في أي صراعات إقليمية قد تحدث، ويؤكد ذلك وضع قوات الحلف، وسفنها الحربية في الشرق الأوسط وأفغانستان، وعلى حدود سوريا وإيران.