شمس نيوز / وكالات
"الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تُنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وأن نتذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها، وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء. وأن تحتفظ بأراضيها فلا يباع للأعداء منها شبر واحد..".
كانت الكلمات السابقة جزءا من رسالة كتبها الشهداء عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي قبل يوم من موعد تنفيذ حكم الإعدام بحقهم في السابع عشر من حزيران عام 1930 في ملحمة سجن عكا الشهيرة والتي أعقبت ثورة البراق عام 1929.
وجاء أيضا في الرسالة: "إننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الأرجوحة، مرجوحة الأبطال بأعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: "إلى الأمة العربية الاستقلال التام أو الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت".
حكاية الدفاع
وتعود حادثة الإعدام إلى الدور البطولي للشهداء الثلاثة في أحداث ثورة البراق والتي جاءت ردة فعل على قيام المستوطنين في يوم (15-8-1929م) برفع العلم الصهيوني على حائط البراق في المسجد الأقصى بدعوى ذكرى خراب الهيكل.
وعقب مظاهرات عارمة استشهد فيها المئات من الفلسطينيين ممن هبوا دفاعا عن المسجد الأقصى وقتل خلالها أيضا ستون مستوطنا صهيونيا، وتلاها الحكم بإعدام 26 فلسطينيا بتهمة تنظيم تلك المظاهرات خفف الحكم للمؤبد بحقهم جميعا باستثناء الزير وجمجوم وحجازي.
الثلاثاء الأحمر
وقد تعارف الفلسطينيون على تسمية يوم إعدام الشهداء الثلاثة بالثلاثاء الأحمر والذي نفذ الثلاثاء "17-6-1930"، وقد سمح للشهداء الثلاثة قبل ساعة من إعدامهم بلقاء زائريهم مما شكل أحد روائع قصص التضحية والفداء.
وقبل ساعة من موعد التنفيذ استقبل محمد جمجوم وفؤاد حجازي زائرين قدموا لهما التعازي، وكانت من النوادر أن يعزى ميت بوفاته قبل موته.
فقال محمد جمجوم: "الحمد لله أننا نحن الذين لا أهمية لنا، نذهب فداء لوطننا فلسطين... وليس أولئك الرجال الذين يحتاج الوطن إلى جهودهم وخدمتهم"، ثم طلب محمد جمجوم رحمه الله تعالى الحناء له ولزميله فؤاد حجازي ليتخضبا به كعادة الفلسطينيين في أعراسهم.
أما فؤاد حجازي .... فقال لزائريه: "إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئا من كابوس الإنجليز على الأمة العربية الكريمة، فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا لكي يزول هذا الكابوس عنا تماما".
وتسابق بعد ذلك الشهداء الثلاثة من يتقدم إلى منصة الإعدام أولاً. وزاحم البطل محمد جمجوم أخاه عطا الزير حتى تغلب عليه و كان قد سبقهما إلى ربهما. الشهيد البطل فؤاد حجازي الذي أعدم أولاً في الثامنة صباحاً ثم أعدم محمد جمجوم ثانياً في التاسعة صباحاً وأعدم عطا الزير ثالثاً.
ورغم رحيل الأبطال الثلاثة منذ عشرات السنين، إلا أن الفلسطينيين ما زالوا يرددون أغنية "من سجن عكا طلعت جنازة.. محمد جمجوم وفؤاد حجازي.." في كل مناسبة وطنية، تأكيدا على أن هذه الذكرى ستبقى محفورة في ذاكرة مشوار التحرر الفلسطيني الطويل.
من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
جازي عليهم يا شعبي جازي المندوب السامي وربعه عموما
محمد جمجوم ومع عطا الزير فؤاد الحجازي عز الدخيرة
أنظر المقدم والتقاديري بحْكام الظالم تيعدمونا
ويقول محمد أن أولكم خوفي يا عطا أشرب حصرتكم
ويقول حجازي أنا أولكم ما نهاب الردى ولا المنونا
أمي الحنونة بالصوت تنادي ضاقت عليها كل البلادي
نادوا فؤاد مهجة فؤادِ قبل نتفرق تيودعونا