بقلم / أكرم عطا الله
كثيرة هي الأسئلة الحائرة التي ينتجها واقع بدا كاريكاتورياً إلى أبعد الحدود، وكثيرة تلك الإجابات المعلقة لدى السياسيين، في حين أن المواطن الملدوغ بات يملك كل الإجابات الجدية والهزلية منها، فحالة الانفصال بين الطبقة السياسية والمواطن باتت تتسع أكثر ومعها يصبح اللامنطق هو منطق الأشياء الطبيعي الكفيل بحل كل طلاسم السياسة ولوغاريتمات الواقع المعقد.
هو سؤال اللامنطق أو منطق «مرسي الزيناتي» في فهم السياق التاريخي لطبيعة الصراع الدائر، والحدود التي يقف عندها كل طرف، والإمكانيات التي يستند إليها بعد هذا الصراع الطويل والدامي بعد سبعة عقود وقد تكثف الاشتباك أكثر منذ عقدين، يتباعد أكثر سؤال: لماذا نحن هكذا؟ ليجيب عن كل أسئلة الواقع السهلة والصعبة والتي تراكمت وبدأت تنفجر في وجه السياسيين والنخب والفصائل والكتاب ومؤسسات المجتمع وكل يحاول أن يقدم ما يشبه تبرئة الذمة على شكل دفاعات هزلية مدعاة للضحك والحزن في آن واحد.
دعونا نقلب الصفحة طالما أن الهرم يقف مقلوباً على رأسه علّنا نتمكن من رؤية جزئياتها بوضوح أكثر، فالانقلاب هنا مدعاة للانسجام، والعبث هنا يصبح الابن الشرعي للواقع حاملاً اسمه ووريثه الوحيد وناطقاً له ومعبراً عنه في كل شيء، في الكليات وفي الجزئيات أيضاً، دعونا نسأل الأسئلة الساذجة والهزلية والتي تتفرع من السؤال الرئيس: لماذا لم ننتصر على إسرائيل بعد كل ما حققناه؟ لماذا لم ننتصر بعد كل هذا البناء المدهش الاستثنائي؟ لماذا لم ننتصر بعد أن أقمنا مؤسسة حقيقية وتجربة نموذجية أثارت إعجاب العالم، فقد أصبح لدينا دولة القانون وأقمنا العدالة وشفافية نادرة وبنينا أجهزة أمن لا مثيل لها ولدينا القانون يعلو على كل شيء ويتساوى أمامه الوزير والغفير، ولدينا جامعات تتسابق على حجز مقاعدها الأولى في الترتيب العالمي، كيف لم ننتصر ولدينا انتخابات كل أربع سنوات وغالباً أقل بفعل النظام الديمقراطي، كيف لم ننتصر ولدينا من الاختراعات العلمية ما يحسن ميزان الأمن القومي وأن مستشفياتنا هي الرائدة في المنطقة بل وأصبحت خياراً لدى الكثير من زعماء العالم، ولدينا مراكز أبحاث ودراسات وقضاء مستقل وموحدون ومصلحة الوطن تعلو على كل شيء، ولسنا مغامرين بل تجري لدينا حسابات السياسة والحرب بهدوء شديد وفقاً للمصالح الوطنية العليا تماماً على ميزان بائع الذهب، وأن الإنسان عندنا هو القيمة العليا وأن الحرية هي أصل الأشياء وأن أفضل العقول هي المكلفة بكل شيء وفي كل المجالات، وهذه يتم اختيارها بمعايير لا تخضع للولاءات ولا المحسوبيات ولا حتى الاعتبارات الحزبية.
كيف لم ننتصر ونحن نخوض السباق مع أكثر الدول والمجتمعات تطوراً، ولدينا استثمارات هائلة في التكنولوجيا وعندنا شركات هاي تك ولدينا ما أضفناه للعالم في هذا المجال وغيره، وبعثاتنا الدراسية ترسل وفق معايير محددة لاكتساب أحدث العلوم وتلك يتم تحديدها وفقاً لمتطلبات المؤسسة وبعيدة عن التدخل والوساطة، لا نسمح بأي إخفاق ولو حدث نشكل فوراً لجنة تحقيق ونستخلص العبر حتى لا يتكرر، وفي كل مرحلة نعيد تقييم ذاتنا ونجري مراجعات باستمرار لضمان تفوقنا الدائم. كيف لم ننتصر على هؤلاء الإسرائيليين المنقسمين سياسياً وجغرافياً؟ أحدهم يقيم عاصمته في المجدل والآخر اقتطع له جزءا في حيفا يحلم بإعادة مملكة التاج وعهد ملوك إسرائيل، وهم ليسوا موحدين يتحاورون منذ سنوات في حوار ساذج مثلهم، كل ما يفعلونه أنهم يضيعون وقتهم بلا جدوى تمر عليهم السنوات وهم في نفس المستنقع، ضعفاء منشقين مشغولين بصراع بينهم، يشتم كل منهم الآخر، تتنافس أحزابهم بلا شرف الخصومة، كل فئة منهم دولة وكل منهم يقيس الوطن وفقاً لمصالح الحزب ولا وطن يجمعهم. كيف لم ننتصر على هؤلاء الإسرائيليين ذوي التجربة الفاشلة في الإدارة والحكم، ولا انتخابات لديهم ولا تداول سلطة ولا قانون ولا مؤسسة ولا مراكز دراسات ولا جامعات حقيقية ولا مستشفيات تنافس، يديرون السياسة بالفهلوة والحرب بعصبية القبيلة، ولديهم مؤسسات شكلية متخمة بالموالين والمريدين بصرف النظر عن الكفاءة، وتتم التعيينات لديهم وفقاً لمعيار أن الأقربين أولى بالمعروف بما يشبه البطالة وتعبئة الفراغ أو الشؤون الاجتماعية. كيف لم ننتصر على إسرائيل التي لم تتجاوز مرحلة القبيلة في بنيتها، فهي بلا قانون ولا قضاء ولا محاكم ودون اعتبار لقيمة الإنسان ولا تعني الحرية لهم شيئاً، هم فقط دائمو الحديث عن كل ذلك مجرد شعارات أما على الأرض فهم على النقيض وكل ما لديهم هو مجرد كلام يعيدون صياغته بجمل جديدة ولكنه بمضمون واحد.
يقولون شيئاً ويتبدلون حسب رياح المصلحة، يكرهون بعضهم، هم عشاق للسلطة يخوضون كل صراعاتهم من أجلها وبسببها.
هؤلاء الإسرائيليون لديهم من الأخطاء ما يمكن أن يفيض عن تجربتهم ولا يتعلمون منها، يقعون بنفس الخطأ مرات عديدة دون أن يستوقفهم حجم الخسائر، أوضاعهم مدعاة للسخرية، مؤسستهم مشلولة والكنيست معطل منذ سنوات، بدائيون في ممارسة كل شيء، بعيدون عن الحداثة وعن الحضارة، منشغلون عنا بصراعات لن تنتهي، بعيدون عن التكنولوجيا والتقدم العلمي والأقمار الصناعية وكل العلوم وكل المعارف بما فيها ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيمة الحرية.
مع كل هذا الأداء المثالي الذي نقدمه مقابل الأداء الركيك للإسرائيليين، ومع كل هذه الهوة المتنامية بيننا وبينهم ومع الفارق بين تقدمنا وتخلفهم ووحدتنا وانقساماتهم يصبح سؤال: كيف لم ننتصر؟ سؤالاً طبيعياً لأنه من غير المعقول هذا الذي يحدث وأمام ما قدمناه من تجربة مدهشة مع غياب الانتصار وتحقيق الأهداف لا بد وأن يكون هناك خطأ ما ..؟
المقال يعبر عن رأي كاتبه