شمس نيوز / عبدالله عبيد
يجلس الحاج أبو العبد حمد (62 عاماً) أمام بيته في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وملامح وجهه توحي بالهم والتعب والتفكير ملياً بالوضع المأساوي الذي يعيشه القطاع المحاصر منذ ما يزيد عن العشرة أعوام، لكن ما يشد تفكيره أكثر حينما أجاب متسائلاً "نفسي أعرف وين بتروح المساعدات إلى بتيجي لغزة؟
هذا هو السؤال الذي سأله حمد لمراسل "شمس نيوز"، والذي حيّر الكثيرين من المواطنين في قطاع غزة وأصبح تقريبا حديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليضيف قائلاً "أنا عايش على كابونات الشؤون الاجتماعية والشيك بيطلعلنا كل 3 شهور مرة، لكن ما أخذت في يوم من الأيام أي مساعدة بتيجي لغزة، خصوصاً وأنه المساعدات التركية بدأت تدخل القطاع".
لم يتحدث الحاج أبو العبد كثيراً في الموضوع فالغصة التي بداخله جعلته صامتاً في أغلب أوقات مقابلتنا معه، لكنه أردف قائلا "أتمنى أن تصل هذه المساعدات لكل أهالي غزة، لأن الجميع هنا محتاج لهذه المساعدات، مش يوزعوها على كيفهم..".
وانشغل الكثير من سكان غزة بالحديث عن الشاحنات التي كانت تقل على متنها البضائع التي أقلتها سفينة المساعدات التركية المخصصة لغزة "ليدي ليلي"، وكيفية توزيع هذه المساعدات التركية، والفئات التي ستصل لهم حمولة السفينة الكبيرة.
ووصلت أول سفينة تركية إلى غزة يوم الأحد في الثالث من الشهر الجاري، من أحد موانئ تركيا إلى ميناء أسدود الإسرائيلي، ودخلت أولى الشاحنات التي تقل حمولتها بعد وصولها بيوم واحد، وتم استكمال العملية بدءاً من أول أمس الأحد.
إثارة الغضب
المواطن محمود زقوت ( 44 عاماً) من مخيم النصيرات وسط غزة، أعرب عن استيائه وتذمره من المساعدات التي تقدمها تركيا للغزيين، خصوصاً وأن تركيا طلبت في مفاوضاتها مع الاحتلال وقبل التوقيع على الاتفاق رفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة.
" لم تكن تركيا بذات الحجم الذي توقعناه منها، فكان لدينا أمل كبير بأن تحقق رفع الحصار عنا، لكن يبدو أنها رضخت للاحتلال كما الدول العربية"، يقول زقوت لـ"شمس نيوز"، مشيراً إلى أن المساعدات التركية لغزة "لعدم إثارة غضب الفلسطينيين من أوردوغان بعد التوقيع مع إسرائيل دون تحقيق مطالبه".
وأضاف متسائلاً "ماذا سنستفيد من هذه المساعدات، فأغلبها من البامبرز وألعاب الأطفال، أهذا ما تحتاجه غزة يا تركيا ؟"
وطالب زقوت الرئيس التركي أن يكون عند قدر مسؤوليته "فأنت تحدثت عن رفع الحصار، عليك أن تفي بهذا الشرط، لا أن ترسل لنا بعضاً من الكابونات التي لا تسمن ولا تغني من جوع".
ومع انطلاق السفينة التي تقل كميات كبيرة من المساعدات لغزة، تناول الكثير من المعلقين على صفحات التواصل الاجتماعي تلك السفينة وحمولتها والطريقة التي ستوزع بها وحتى عدالة التوزيع، وجاءت التغريدات بين مشكك في طريقة وصولها للمحتاجين، وبين من مدح بتركيا التي سارعت إلى إرسال السفينة.
لم توزّع
من جهته، قال وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة، د.يوسف إبراهيم إن المساعدات التركية لم توزع بعد على أي مواطن من قطاع غزة، مشيراً إلى أن وزارته ستبدأ بتوزيعها عند وصول جميع الكميات للقطاع، موضحاً أن الكمية التي وصلت حتى الآن لا يمكن البدء بتوزيعها.
وذكر إبراهيم لـ"شمس نيوز" أن الشرائح المستهدفة والتي سيتم توزيع المساعدات التركية لها هي الشرائح التي تتعامل معها الشؤون الاجتماعية "وهي الأسر المحتاجة والميسورة وأصحاب الحاجات بكافة أنواعهم، وذلك بحسب التقديرات والمعايير والاشتراطات التي تعمل بها الوزارة".
وأضاف أن "ما وصل إلينا من هذه المساعدات حوالي 600 شاحنة فقط وهذه نسبة قليلة جداً من إجمالي الشاحنات المقدرة أن تصل"، لافتاً إلى أن متوسط ما يصل من شاحنات بشكل يومي من 25 -30 شاحنة فقط، وذلك في فترة ما بعد عيد الفطر المبارك.
وبيّن أن هناك اتفاقا بين الشؤون الاجتماعية في غزة وتركيا حول كيفية توزيع هذه المساعدات، مشيراً إلى عقد جلسة بين الشؤون الاجتماعية والهلال الأحمر التركي والفلسطيني للتعامل معها.
وأوضح وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة أن "الهدف الحقيقي الذي رسمناه كان واضحاً، وهو كيف سنصل إلى كل محتاج حسب المعايير والاشتراطات الموجودة لدينا في العمل الإغاثي سواء من الهلال التركي أو الفلسطيني أو الشؤون الاجتماعية، وعلى هذا الأساس سيتم توزيع المساعدات"، على حد تعبير إبراهيم.
غير كافٍ
ويأتي تقديم هذه المساعدات التي جمعت من مختلف أنحاء تركيا، في إطار الاتفاق الأخير بين تركيا ودولة الاحتلال الاسرائيلي لإعادة العلاقات بين البلدين لطبيعتها، حيث يتضمن الاتفاق السماح بإرسال مساعدات تركية لقطاع غزة.
وأكد القيادي في حزب العدالة والتنمية التركي، د. أحمد فارول، أن دخول المساعدات التركية إلى قطاع غزة لن يكفي لحل الأزمات التي يعاني منها القطاع، مطالباً الحكومة التركية بضرورة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق شرطها برفع الحصار عن غزة.
وقال فارول في حديثه لـ"شمس نيوز" إن المساعدات التي تقدمها تركيا لغزة مفيدة للشعب الغزي، لكنها غير كافية لسد احتياجاتهم لأن القطاع بحاجة إلى رفع الحصار، فهناك مليوني شخص يعيشون في حصار خانق".
وأضاف "الاتفاق التركي الإسرائيلي لم يصل للغاية، لأن الهدف الأسمى كان عند الأتراك رفع الحصار وهو أحد الشروط التي وضعتها تركيا للمصالحة مع الكيان الصهيوني"، مستدركاً " لكن للأسف تركيا تنازلت عن هذا الشرط بعد أن تعرضت للعديد من الضغوطات"، حسب تعبيره.
رفع الحصار
وفي ذات السياق، أعرب رئيس جمعية رئيس مكتب هيئة الإغاثة التركية (IHH) في قطاع غزة، محمد كايا، عن استيائه من الاتفاق الذي تم بين تركيا والاحتلال دون تحقيق شرط رفع الحصار عن قطاع غزة، لأنه بحسب وجهة نظره "فإن شهداء أسطول الحرية (مافي مرمرة) قدموا أرواحهم من أجل رفع الحصار عن قطاع غزة، وليس من أجل تقديم مساعدات فقط".
وقال كايا خلال حديثه لمراسل "شمس نيوز": نحن من المعارضين لهذه الاتفاقية بخصوص المساعدات التي دخلت إلى القطاع، وكنا نتمنى أن تكون الاتفاقية أفضل، كما أقّروا في أول الطريق على رفع الحصار وفتح المعابر وأن يعيش المواطنين في غزة حياة كريمة كما باقي شعوب العالم".
وأضاف "الأتراك الذين استشهدوا داخل البحر ضحوا بدمائهم من أجل فك الحصار وليس لإدخال المعونات للشعب الفلسطيني"، موضحاً ان المساعدات تدخل إلى غزة عن طريق الجمعيات والمؤسسات الأهلية وبدعم من الشعوب كتركيا وقطر وغيرها من الدول.
وتابع كايا " كان الغرض من أسطول الحرية فك الحصار بالدرجة الأولى عن قطاع غزة وليس إدخال معونات"، لافتاً إلى أن جمعيته لا تربطها أي صلة بتوزيع المساعدات التركية "والمساعدات أتت من خلال الهلال الأحمر التركي بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني والشؤون الاجتماعية".
وشهدت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب تدهورا منذ عام 2010 عندما هاجمت قوات إسرائيلية خاصة سفينة "مافي مرمرة" التركية، مما أدى إلى استشهاد عشرة من الناشطين الأتراك على السفينة التي كانت تحمل مساعدات لكسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ نحو عشر سنوات.
وعقب الهجوم خفضت تركيا تمثيلها الدبلوماسي مع إسرائيل، واشترطت اعتذارها وتقديم تعويضات لأسر الضحايا ورفع الحصار عن غزة، لإعادة تطبيع العلاقات.