شمس نيوز/ خاص
أكد خبراء محليون على أن "الطبقة الوسطى" بدأت تضيق لصالح "الطبقة الدُنيا"، وذلك بعد ارتفاع مؤشرات البطالة وانخفاض أجور العاملين، وأسباب أخرى تعاني منها الأراضي الفلسطينية المحتلة، فأصبحت الفجوة بين طبقات المجتمع متباينة وتبدو جليّة في قطاع غزة وأقل حدة في الضفة الغربية.
أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة ذكر أن "الطبقة الوسطى" تتكون من ثلاثة شرائح وهي "الشريحة العليا والوسطى والدنيا"، مشيراً إلى أن الشريحة الأولى حافظت على أوضاعها المعيشية طوال الفترة الماضية.
وقال أبو مدللة خلال حديثه لـ"شمس نيوز": أما الشريحة الوسطى فقد انتقل معظم فئاتها إلى أوضاع الشريحة الدنيا، أما الدنيا فقد انتقل معظمهم إلى خط الفقر الوطني وكثيرٌ منهم انتقل إلى الفقر المدقع وأصبح تدهور واضح في هذه الشريحة.
وتشير إحصائيات بأن 41% من الشعب في حالة بطالة، 60% بطالة في صفوف الشباب الفلسطيني الغزي، الفقر والفقر المدقع يصل حوالي 65%، يضاف إلى ذلك 30% من الموظفين يصنفوا ضمن خط الفقر.
وكما حدد البنك الدولي والمؤسسات الدويلة بأن الذين دخلهم أقل من 1780شيكل يدخلون تحت خط الفقر المدقع، بينما الذين دخلهم أقل 2470 شيكل فيدخلون تحت خط الفقر.
تلاشي الطبقة الوسطى
وأرجع أبو مدللة، حالة انكماش الطبقة الوسطى وخطواتها السريعة نحو التلاشي خاصة في قطاع غزة الى تدهور حالة الحصار الإسرائيلي، وفقدان الأسرة معيلها خلال الفترات الماضية، "إما بسبب الحروب وإما بسبب فقدانهم العمل، إلى جانب حالة الانقسام الفلسطيني، وانعدام فرص التوظيف منذ عام 2007".
ولفت إلى أن، حالة ارتفاع الأسعار تزداد عام بعد عام سواء على المستوى العالمي أو المستوى المحلي بشكل خاص، مردفاً بالقول "فأصبح ما يقارب 80% من الشعب الفلسطيني يعتاش على المساعدات والمعونات الدولية إما الأنروا أو المؤسسات الدولية أو الشؤون الاجتماعية".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "سنوات الحصار أفرزت طبقة عليا تسمى "بأباطرة الحروب" أو "أمراء الحروب" وتتحكم بالوضع الاقتصادي وتقوم بأعمال غير منتجة مثل المنتجعات أو تجارة السيارات وغيرها"، مبيّناً أن فئة رجال الأعمال وأصحاب المشاريع المنتجة قد تقلصت، على حد تفسيره.
وبين أن، الضفة أقل حدة في وضوح هذه الظاهرة فبرغم سوء الأوضاع الاقتصادية والحواجز وجدار الفصل العنصري الذي يشل الحركة ويعرقلها سواء داخلياً أو خارجياً، إلا أنها أفضل حالاً من غزة، لافتاً إلى أن معدل الدخل للفرد الواحد بالضفة يقدر بحوالي 1700شيكل، بينما معدل الدخل للفرد الواحد في غزة لا يزيد عن 970 شيكل.
تعمق الفجورة
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور معين رجب، على أن السنوات الأخيرة شهدت تعمق الفجوة بين الفقراء والأغنياء في المجتمع الفلسطيني، فيما أخذت الطبقة الوسطى في التلاشي لتتسع طبقة الفقراء.
وأوضح رجب في حديثه لـ"شمس نيوز" بأن، المقصود بالطبقة الوسطى لديهم دخل ما يكفيهم من الضروريات يستطيعون تلبية احتياجاته الضرورية، مضيفاً "وهذه الطبقة تكون غالبية أفراد المجتمع، لكن في مجتمعنا هناك خلل واضح لاتساع طبقة الفقراء بشكل كبير وبالتالي أصبحت طبقة الفقراء هي الأساس في المجتمع".
وتابع: "نعيش حالة من القلق في المجتمع الفلسطيني، من اتساع طبقة الفقر على حساب الطبقة الوسطى الآخذة في الذوبان"، معللاً أسباب هذا التراجع إلى ازدياد طوابير البطالة نتيجة انعدام فرص العمل في "إسرائيل" للغزيين ومحدوديتها في الضفة الغربية المحتلة، وارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الشرائية للرواتب خاصة بين الموظفين من ذوي الدخل المحدود.
صمّام الأمان
وأوضح الخبير رجب بأن الطبقة الوسطى هي صمّام الأمان الاقتصادي والأمني والاجتماعي والسياسي لأي دولة في العالم، حيث توفر الكوادر المنتجة التي تُعيد دخولها بالقوة الشرائية، بل وتحافظ على أمن الدولة، وبالتالي تستتب وتستقر الأمور الأخرى.
وأشار إلى أن دراسات عديدة كشفت تزايد معدل الجريمة بتراجع المواطنين وانكماشهم اقتصادياً، ذاكراً أن الطبقة الوسطى هي الطبقة العاملة الكادحة التي تحافظ على الاستقرار والتوازن.
من ناحية أخرى، تظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أن معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية تذبذبت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، ما يعني تذبذب حجم الطبقة الوسطى بشكل كبير أيضا خلال تلك الفترة.
ويرجع التذبذب في معدلات الفقر وحجم الطبقة الوسطى إلى كثير من العوامل، أهمها تذبذب معدلات النمو والبطالة ومستويات الأسعار، وحالة عدم الاستقرار التي تعرقل الاستثمار، والقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على حرية الحركة، والاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، والسياسات الحكومية، خصوصا هيكل الضرائب، وبالذات ضريبتا الدخل والقيمة المضافة.
أهم الحلول
إن المحافظة على الطبقة الوسطى وتوسيعها يتطلب صياغة استراتيجيات وبرامج لمكافحة الفقر، وبالذات تزويد الفقراء بالمهارات أو فرص التمويل اللازمة لزيادة دخلهم بحيث ينتقلون إلى الطبقة الوسطى. كما يتطلب ذلك زيادة الإنفاق على التعليم والصحة، وتبني سياسات لتحسين القدرة الشرائية، ودراسة تأثير السياسات الحكومية، وبالذات مراعاة ذلك عند فرض الضرائب على الدخل بحيث لا تتضرر هذه الطبقة، وتوجيه القروض والبرامج نحو المشاريع الصغيرة والوسطى التي تستهدف الأفراد على حافة الطبقة الوسطى، وخلق فرص للعمالة الماهرة، وتقديم الحوافز للأنشطة التي تولد الدخل.
أما عن الحلول، فقد بين الخبراء، بأن حل المشكلة وحماية الطبقة الوسطى، يتطلب أولا رفع الحصار الإسرائيلي ورفع أجندته الخانقة على الاقتصاد الفلسطيني، وإنهاء حالة الانقسام الذي من شأنه أن يوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل والخريجين، بالإضافة إلى حالة الإعمار الفلسطيني وأن تفي الدول المانحة بوعودها والتزاماتها وبالتالي يتحسن الوضع الاقتصادي.
وأشاروا إلى، أن السلطة الفلسطينية لابد أن تتعاقد مع الدول العربية والخليجية، لإيجاد فرص عمل لخريجي فلسطين لديها، أسوة بالسبعينات والثمانينات من هذا القرن، وبالتالي توفير دخل للأسر الفلسطينية يتم تحويله من أبنائهم بالخارج.
وأضافوا: أن إيجاد وظائف للشباب من شأنه أن يقضي على البطالة ويعيد إنتاج الطبقة الوسطى، وثانيا أن تفكر السلطة في دعم السلع والحاجات الأساسية مثل الوقود والمواد التموينية كالخبز والدقيق، وثالثا تقديم تسهيلات للمواطنين في مسألة الجمارك.