بقلم طلال عوكل
ليس غريباً أن يوافق الكونغرس الأميركي وإدارة الرئيس باراك أوباما، على رفع قيمة المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل لتصل إلى 38 مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد العام 1978، وبموجبها كانت إسرائيل تحصل على ثلاثة مليارات من الدولارات ما يعني أنها حصلت خلال الثمانية والثلاثين عاماً الماضية على نحو مئة وخمسة عشر مليار دولار، بالإضافة إلى قروض أخرى ميسرة وهبات ومكافآت ذات طابع عسكري.
إذا كانت إسرائيل قد حصلت على اتفاق جديد برفع قيمة المساعدة السنوية بمقدار ثمانمائة مليون دولار من إدارة ذاقت الأمرّين والكثير من الإهانات، التي أصابت أكثر من مسؤول بما في ذلك رأس الإدارة الأميركية، فبماذا يمكن مكافأة إسرائيل في حال كان على رأس الإدارة رئيس يحظى برضى الحكومة المتطرفة في إسرائيل.
أحد أعضاء الكونغرس الأميركي عن الجمهوريين انتقد إسرائيل على موافقتها المستعجلة على الصفقة، ولم يخف رهانه على أن إسرائيل كانت ستحظى بدعم أكبر لو أنها أجلت التوقيع على الصفقة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى قبل نهاية العام الحالي.
السؤال هو لماذا أصلاً كان على الولايات المتحدة أن تقدم لإسرائيل هذه المساعدة حين وافقت على التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد؟ يبدو الأمر وكأنه محاولة لاسترضاء إسرائيل، وإقناعها بأن عليها أن تتجاوز عن بعض «التنازلات»، من أجل توقيع اتفاقية سلام مع مصر، وان الولايات المتحدة ستعوضها عن ذلك. بعد كل هذا الوقت، لم يعد خافياً على أحد أن اتفاقية كامب ديفيد، كانت إنجازاً تاريخياً لصالح إسرائيل، ذلك أن مصر ما كانت لتتخلى عن أرضها، وان استعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل العام 1967، كانت ستكلف إسرائيل والولايات المتحدة، أثماناً باهظة تفوق بكثير ما تقدمه أميركا لإسرائيل.
في الحقيقة فإن مصر هي التي تستحق التعويض، وأن تحظى بدعم أكبر لقاء التنازلات التي قدمتها عبر اتفاقية كامب ديفيد، هذا لو كانت الولايات المتحدة تتحلى بالحد الأدنى من الحيادية والعدالة، لكن الأمر على عكس ذلك تماماً. تؤكد هذه الصفقة، استحالة المراهنة على شيء من العدل والإنصاف من قبل الولايات المتحدة، مهما كان أصل ولون وثقافة رئيسها وإدارتها والشواهد العملية على ذلك أكثر من أن يتم حصرها.
في الواقع بدا لبعض الوقت أن الولايات المتحدة، أخذت سياسياً تتحول عن اعتماد إسرائيل كوكيل حصري لمنع أي نهوض عربي ولحماية ورعاية المصالح الأميركية وأنها تستبدل ذلك بنشر قواعدها العسكرية وجنودها في المنطقة، لكنها تكتشف أن هذا التحول ينطوي على تكاليف باهظة تفوق التكاليف التي تدفعها أميركا لإسرائيل.
ويتضح، أيضاً، أن من راهن تاريخياً من العرب على العلاقة والتحالف مع الولايات المتحدة، قد أصيب بخيبة أمل مريرة، إذ كان من السهل على السياسة الأميركية أن تدير الظهر لحلفائها عند المنعطفات الصعبة التي تنذر بمخاطر على هؤلاء الحلفاء.
لعلّ آخر واقرب الأمثلة على الذهن، الدور الذي لعبته الولايات المتحدة بحق تركيا، الدولة الأطلسية، والأمر لا يقتصر على الدور الأميركي في دعم الانقلاب الفاشل، بل سبق ذلك أن تخلّت الإدارة الأميركية عن دعم تركيا حين تعرضت علاقاتها لأزمة مع روسيا، وحين ساندت أكراد سورية وضيّقت الخناق على الدور التركي لمواجهة ما تعتبره تركيا خطر التمدد الكردي، الذي ينطوي على مخاطر استراتيجية بالنسبة لتركيا.
العرب قبل تركيا ذاقوا مرارة الكأس الأميركية، وخصوصاً السعودية ودول الخليج، حيث يكتشف هؤلاء أن الولايات المتحدة هي التي خلقت «القاعدة» ومن بعدها تنظيم الدولة الإسلامية وأنها تتلاعب بمصالح العرب ومصائرهم. تركيا بادرت إلى إجراء تحوّل ملموس في سياستها الخارجية وفي تحالفاتها، انطلاقاً من أولوية مصالحها، لكن العرب لم يفعلوا ذلك بعد، ويبدو أنهم لا يزالون في مرحلة التردد والتيه.
من تحت دلف الولايات المتحدة إلى تحت مزراب إسرائيل هذه هي المعادلة التي يواجهها العرب. معادلة أحلاها مر، والبديل هو أن يستعيد العرب ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على اشتقاق سياسة مستقلة، تعتمد على الذات في حماية مصالحهم وبناء مستقبلهم ذلك هو الخيار الذي تجنب العرب تجريبه منذ زمن الراحل الكبير جمال عبد الناصر.
المقال يعبر عن رأي كاتبه