غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر في عالم القضاء .. بيوت تحولت إلى محاكم صغيرة

شمس نيوز/ولاء فروانة 

كثيرة هي المهن الشاقة والقاسية التي اختارها بمحض إرادته، أو أجبر على العمل بها ، لكن الأخطر في تلك المهن آن تنتقل مع الشخص إلى منزله، وتؤثر على حياته.

هل أنت مذنب؟! صرخت في وجه طفلها، فأجاب وهو يرتعد خوفاً من جدية أمه، التي أصبحت تتغير يوماً بعد يوم في أسلوبها معه، "نعم مذنب، أنا آسف"، سرعان ما تنبهت والدته وحضنت صغيرها وهي تراجع ما الذي فعلته.

هذا ما روته لأـ"شمس نيوز" الشابة سمية الطباع، وهي تعمل كاتب ضبط في محكمة الجنايات قضت حياتها مع العمل الجنائي وفي المحاكم الشرعية، موضحة بأنّ عملها أثر بشكلٍ كبير على حياتها الشخصية .

فوضى نفسية

تقول سمية: "أقضي أكثر من نصف يومي في العمل، والنصف الآخر في بيتي، تختلط الأوراق في عقلي خاصة في أوقات ضغط العمل وعندما توجد قضايا مؤثرة ولا أستطيع التخلص من الفوضى التي تخلقها في نفسيتي إلا بعد مرور فترة من الوقت".

وتتابع بابتسامتها: "كان هذا في بداية عملي، لكن الآن استطعت التخفيف من حدة تأثيره على حياتي، وأصبحت أكثر قوة وثقة بنفسي، لا يخيفني شيء ولا أتركه يؤثر على باقي يومي وعلى حياتي بشكل كبير كالسابق".

أما إسلام بهار مسئولة الإعلام في المجلس القضائي، كانت قد طلبت النقل لوزارة أخرى للعمل بها؛ كي تريح نفسها بعض الشيء، إلا أنهم أصروا على إبقائها في مكانها لتفوقها في عملها.

تضيف: "جاءت فترة كنت أشك بالجميع وأخاف من الجميع، فالقضايا التي تمر علينا لا تعد ولا تحصى وبحالات لم يمكن تخيلها، ولا تخطر على بال بشر".

تستطرد: "ثم وجدت نفسي اتجه نحو تحليل كل شيء يواجهني من ناحية أمنية خاصة، لا أمرر أي شيء كأنه طبيعي وعادي، وهذا ما لاحظه زوجي عليّا، وأعتقد أنه ليس بالأمر السيئ من وجهة نظري، ففي حالات كثيرة استطعت حماية نفسي".

لا أثق بأحد

"ن،م " اسم مستعار، حيث رفضت التصريح باسمها لمراسلتنا، لأسباب تحتفظ بها، تعمل بنفس المجال كاتب ضبط، تقول: "بتّ أخشى على أولادي من كل شيء ووصلت لدرجة من الهلوسة فلا أثق بشرطي ولا أثق بسائق ولا حتى معلم ولا أذهب لطبيب حتى لو كنت بحاجة لذلك، مشيرة إلى أن القصص التي تمر عليها جعلتها لا تثق بأحد سوى نفسها".

مستشار المحكمة العليا القاضي فاطمة المخللاتي، اتفقت مع سابقاتها بقولها: "القضايا الجنائية لها تأثير كبير على الشخصية، خاصة مَن لهم احتكاك مباشر بالجهاز القضائي والأقسام الشرطية بشكل عام"، مستدركة بأنه لا يمكن إطلاق عليها بأنها ظاهرة عامة، فهي نسبية تختلف حسب طبيعة الموظف نفسه وحياته إن كانت مستقرة أو غير متزنة تجعله قابل لتأثر بمهنته وعمله اليومي.

وتضيف: بأنه على صعيدها الشخصي لم يكن عملها كمحامية مدة 30 عاماً، وقاضية لمدة تزيد عن 9 سنوات له تأثير سلبي، بل تستغل القضايا التي تصلها لتشرحها لعائلتها وتوعيهم بها، موجهة دعوة لمن يعمل بهذا المجال من كلا الجنسين أن يكونوا أكثر وعياً، وأن يحاولوا الفصل بين عملهم وبين حياتهم الخاصة.

وعند سؤالها عن أن كانت تنصح الفتيات الالتحاق بهذه المهن والعمل بها، أجابت بوجود عدد لا بأس به ممن أبدعن ووفقن في عملهن، لكنها على الرغم من ذلك فهي لا تنصحهن بالتوجه له إلا أن وجدت في نفسها الكفاءة والقوة اللازمة والجرأة للعمل به، فهو عمل شاق ومرهق نفسياً وليس هيّن على حدِ تعبيرها.

الرجال أيضاً

 الموظف "ع.ر" هو كاتب أمين سر القاضي في محكمة البدايات منذ 9 سنوات، قال لا شك بأننا بشر ولسنا آلات كاتبه فقط أو أجهزة عاملة، نتأثر بكل شيء خاصة إن كانت القضايا تمس الحاجات الإنسانية والأمان.

وتابع : "على عكس باقي زملائي أثق بنفسي وبمن حولي سواء أهل، أصدقاء، وزملاء، لأن عدد المجرمين بالنسبة لسكان المجتمع ككل هم قِلة، أيضا العارف بالقانون وبعقوباته يكون أكثر شعورا بالأمان، فمثلاً لو تخيلت أن أحدا أراد قتلي سأرد عليه تفضل فمصيرك الإعدام وهكذا، ولا شك أن هناك بعض الجرائم التي يجب تشديد عقوبتها فهي ليست رادعة كفاية".

وأوضح بأنه تعلم الحرص وعدم الإهمال، مستدلاً بالمثل الشعبي "المال السايب، بيعلم السرقة"، مضيفاً ضاحكاً: بأن ضغط العمل نعمة تنسيك وتلهيك عن بعض القضايا المؤثرة إلا أن جاء موقف مماثل فيتذكر القضايا التي مرت عليه.

التحليل النفسي، كان مع الدكتور درداح الشاعر المختص النفسي والاجتماعي، علق بقوله: "في البداية عمل الفتاة هو أمر مشروع في الإسلام لكن له ضوابط ومحددات، أهمها أن يُؤمن العمل حياة الفتاة، بحيث لا تشعر بالقلق والتأزم، عدا كون عملها مناسب لطبيعة المجتمع حتى لا تنال غضب المجتمع والأهل".

عليها أن تغادر

ويضيف: بأن هناك بعض الفتيات اللواتي يعتقدن أنهن يستطعن تجاوز الحالة النفسية، وبعضهن لا تستطيع الحالة النفسية وتشعر بنوع من القلق والضيق، فإذا ما شعرت المرأة بأن حياتها مكدرة، فعليها أن تغادر.

ويشير الشاعر إلى، أن مجتمعنا بحاجة لعمل المرأة في تلك المجالات، فمثلا الشرطة نحتاج لشرطيات ليتعاملن مع النساء الخارجات عن القانون، فمجتمعنا بطبيعته محافظ ولا يستطيع الرجل القيام بواجبه على أكمل وجه في مثل هذه الحالات.

وأكد على أن مهنة الإنسان بشكل عام تصبغ حياته بطابع معينة، وتترك بظلالها على حياته، لكن إذا نظر الإنسان إلى أصل قواعد الحياة السليمة، فعليه أن يفصل بين الجانب المهني والجانب الشخصي، فهناك يؤدي وظيفة وفي بيته يؤدي وظيفة مختلفة وإن تأثر بعض الشيء بالنظام الذي ألفه.