بقلم: سعادة إرشيد
يعاني الوضع الفلسطيني من القلق والاضطراب بسبب أزمات تبدو مستعصية، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو مرتبط بأزمات الإقليم الضاغطة بقوة، ومنها ما هو بسبب الاحتلال الجاثم على الأرض والشعب وذلك دون أي دور أو أداء ملحوظ للسلطة، بحيث يلف الغموض ما قد تحمله لها الأيام. وإذا كان قد سبق للوضع الفلسطيني وأن عاني منذ عام 2007 من الانقسام الحاد، والذي أدى إلى قيام سلطتين واحدة في رام الله والأخرى في غزة ، وشمل الصعد الجغرافية والسياسية والإدارية، فإنَّه يعاني الآن من انقسام الانقسام،إذ يأخذ الصراع على السلطة شكلاً جديداً وهو الصراع داخل تنظيم فتح.
دخل هذا الصراع مرحلته الجديدة منذ القمة الأردنية المصرية المنعقدة أواخر آب الماضي، والتي أعلن العاهل الأردني والرئيس المصري في ختامها ضرورة العمل على إصلاح تنظيم فتح،الأمر الذي أثارالدهشة،إذ كيف يمكن لرئيسا دولتين أن يناقشا وضعاً داخلياً لتنظيم سياسي في دوله ثالثة (وإن كانت دوله مفترضه)، وأن يصبح حال هذا التنظيم مادةً للنقاش في القمة. وقد زالت هذه الدهشة واتضحت الأمور أكثر حين أعلنت الرباعية العربية خطة خارطة الطريق الفلسطينية، التي تجعل أولى أولوياتها إصلاح تنظيم فتح. وتعني عبارة “إصلاح تنظيم فتح” بالقراءة ألسياسية عودة القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان من منفاه الطوعي في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى رام الله ،الأمر الذي يعني أيضا إطلاق صفارة البدء للعد العكسي لما تبقى للرئيس الفلسطيني من أيام في السلطة.
تطلب الرباعية العربية من الرئيس عباس بالإضافة إلى عودة محمد دحلان تأجيل الانتخابات ألبلدية التي كان من المزمع إجراؤها في الثامن من تشرين أول القادم وذلك بسبب خوف الرباعية أو بعض أطرافها من نجاح حركة حماس في الانتخابات، وبشكل خاص في بلديات المدن الكبيرة. ومع أن الانتخابات البلدية تتعلق بنشاطاتٍ خدامتيه الطابع، وبعيدة عن السياسة نظرياً، إلا أنها في غياب الانتخابات السياسية تصبح مؤشرا على توجهات الجمهور، وفوق ذلك فان نجاح مجموعة من الإسلامين في الانتخابات النيابية الأردنية التي جرت مؤخرا يثير القلق خاصة وأن إمكانيات التشبيك بينهم وبين بلديات الضفة يمثل احتمالا كبيرا
هكذا أخذ موضوعا إصلاح فتح والانتخابات البلدية عنوان الصراع بين الرباعية العربية ومحمد دحلان من جانب، والرئيس محمود عباس من جانب آخر. الرباعية تبدي استعجالا للعنوان الأول فيما تريد تأجيل الثاني، في حين أن الرئيس عباس يريد شطب الأول وإجراء الثاني. رؤيا الرباعية تقوم على أساس استبدال العدو الذي لم يعد دولة الاحتلال (إسرائيل) ، وإنما إيران. ومن اجل القيام بهذه العملية الجراحية لا بد من حل المسألة الفلسطينية بطريقة تناسب الاحتلال وترضي القابضين على زمام السلطة والمتدثرين بغطاء الشرعية في رام الله. وهذا الحل هو ما يعطي أطراف الرباعية غير المنخرطة في معاهدات مع الاحتلال لتنخرط ولتميط اللثام عن وجهها الحقيقي ، فتجعل من علاقاتها السرية مع دولة الاحتلال علنية وطبيعية ومشروعة، فدولة الاحتلال لم تعد دولة احتلال بعد قيامها بتنازلات مؤلمة ، والفلسطينيون أخذوا ما يرضيهم. وبهذا يؤخذ بمبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز والَّتي سميت تعسفا بمبادرة السلام العربية، وتأخذ أيضا المواجهة مع إيران بعدا جديدا بعد مشاركه الفلسطينيين والإسرائيليين للرباعية فيه، فالفلسطيني قادر على خلخلة الخطاب الإيراني المعادي لإسرائيل والغرب بعد أن تدعي الجهات الممثلة له أنها أخذت حقوقها وتنازلت عن البقية ، فيما يملك الإسرائيلي السلاح والقدرات القتالية والمعارف الأمنية، ناهيك عن قدرته العالية على التحريض على إيران من خلال جماعاته الضاغطة في الولايات المتحدة والغرب .
عود على بدء فالرباعية ترى أن انخراط الفلسطينيين بهذا المشروع يحتاج إلى قيادة جديدة وشابة تكون قادرة على الإحاطة بتعقيدات العمل، وتحظى بثقة الأطراف الرئيسة، فيما القيادة الحالية قد أدت الأدوار المطلوبة منها وأصبح عليها التنحي والرحيل،إضافة إلى أنها شاخت وترهلت وتآكلت شعبيتها وسمعتها في الداخل وعلى الصعد الخارجية، ولم يستطع أداؤها المتعثر المحافظة على تنظيم فتح موحدا، كما لم تستطع إنهاء الانقسام الجغرافي والاتفاق مع حماس، وهي لا تستطيع تحسين أداء الوزارات والإدارات التابعة لسلطتها، ولم تتمكن من معالجه ملفات الاستيطان ومصادرة الأرض،ولا ملف القدس أو الأسرى، كما فشلت في إدارة دفه الاقتصاد والأمن الداخلي، لا بل هي عاجزة عن الشكوى الجدية على حكومة الاحتلال أمام المحاكم الدولية. والرئيس وطاقمه لا يكفّوا عن التهديد أمام وسائل الإعلام باللجوء إلى المنظمات والمحاكم والمحافل الدولية دون أن ينفذوا أيا من تهديداتهم، وهم يتوعدون (إسرائيل) بقنابل لا يسمع أو يرى أحد انفجارها، وهذا ما أدى إلى جمود الوضع الفلسطيني في إقليم سريع الحركة، فلا هو قادر على القبول بما يعرضه عليه الاحتلال من هباء وسراب، ولا هو راغب في تغيير أساليب عمله لمواجهه ما يجري.
لا زال الرئيس عباس متمسكا بالسلطة، وهو يدرك أن عودة دحلان هي لوراثته حيا، وتعني خروجه من ذات الباب الدوار. أما إخراج هذه العملية فلن يعدم بعضٌ من القيادات الفلسطينية من إيجاد وسائل وأساليب في هذا السبيل.
المقال يعبر عن رأي الكاتب