بقلم / أشرف العجرمي
يتوالى توارد الأنباء عن تقدم الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو شخصياً بطلب إلى إدارة الرئيس باراك أوباما لعدم القيام بأي خطوة تخص ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في الفترة التي تسبق تسليم الرئاسة للرئيس الجديد الذي سينتخب الشهر القادم، وخاصة الذهاب إلى مجلس الأمن واستصدار قرار يتحدث عن مرجعيات وأسس التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين. وحسب ما ورد في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم الإثنين الماضي، فقد طالب نتنياهو في اتصال هاتفي وزير الخارجية جون كيري بأن تمتنع إدارة الرئيس أوباما عن تمرير أي قرار دولي جوهري عن الصراع، وقال له إن "إسرائيل تتوقع من إدارة أوباما ألا تغير سياستها وألا تبادر وتمتنع عن دعم أي قرار أممي يقدم إلى مجلس الأمن يتعلق بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني خلال فترة الانتخابات الرئاسية" من الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) وحتى العشرين من شهر كانون الثاني (يناير) من العام القادم.
وكشفت تسريبات "ويكيليكس" من خلال الرسائل الإلكترونية لمرشحة الرئاسة عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أن السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون دريمر، نقل رسائل إلى لجنة الانتخابات للسيدة كلينتون تعبر عن خشية الحكومة الإسرائيلية من أنه إذا تم انتخاب كلينتون فهي ستنتهج سياسة تركز على الموضوع الفلسطيني وتلقي بالمسؤولية عن الجمود في العملية السلمية على إسرائيل. وعلى ذمة ما جاء في "هارتس" (الأحد الماضي) فإن قسما من هذه الرسائل نقلها رئيس مجلس إدارة معهد سياسة الشعب اليهودي، ستيورت ايزنشتات، المقرب من عائلة كلينتون والمرشح لتولي منصب مستشار الأمن القومي في حال فازت كلينتون في الانتخابات الشهر القادم، لرئيس لجنة الانتخابات لهيلاري كلينتون ومستشارها المقرب.
في بعض الحالات نجحت إسرائيل وخاصة فيما يتعلق بحمايتها في المنظمات الدولية بالفيتو الأميركي الذي تحول إلى فعل تلقائي من قبل معظم الإدارات الأميركية باستثناءات قليلة جداً وهي تلك التي صدرت فيها قرارات عن مجلس الأمن تدين إسرائيل أو تطالبها بوقف الاستيطان وإجراءاتها الاحتلالية التعسفية ضد الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلة. وفي حالات أُخرى فشلت إسرائيل بشكل ذريع في الضغط وتغيير موقف الإدارة. وفي هذا السياق يمكن العودة إلى تجربة اسحق شامير رئيس الحكومة في بداية التسعينات عندما أجبرته إدارة الرئيس جورج بوش الأب على حضور مؤتمر مدريد في نوفمبر عام 1991، وبعد ذلك في تجميد الاستيطان وربطه في الحصول على ضمانات قروض بمبلغ عشرة مليارات دولار.
كما أن مسألة الملف النووي الإيراني هي دليل آخر على فشل السياسة الإسرائيلية في تقرير بعض مفاصل السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكل الضغوط الإسرائيلية سواء داخل الولايات المتحدة أم مع حلفائها العرب وغيرهم أم التهديد باللجوء لقصف إيران لم تؤت أكلها ولم تنجح في ثني واشنطن عن التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران. صحيح أن حالات الفشل الإسرائيلي قليلة بالمقارنة مع النجاحات، ولكن من يقرر في نهاية المطاف هو مصلحة الولايات المتحدة التي تنسجم مع مصالح إسرائيل غالباً، وعندما تتعارض يتغلب الانحياز لمصلحة القوة الأعظم.
وحتى الآن لا تشعر أميركا بأن السياسة الإسرائيلية الراهنة تهدد مصالحها، بل هي حريصة على مصالح إسرائيل أكثر من قادتها أحياناً، وهذا ما يقلقها على غرار تصريحات جون كيري التي قال فيها أن سياسة إسرائيل الاستيطانية ستقود نحو دولة واحدة وحرب مع الفلسطينيين. وبالتالي فالأقرب للواقع هو أن تكون هيلاري كلينتون أقرب للسياسة الإسرائيلية. والرسائل التي تم تسريبها هي نوع من الضغط والابتزاز باستخدام الصوت اليهودي في الانتخابات لصالح أو ضد كلينتون، على الرغم من أن غالبية اليهود في الولايات المتحدة لا يؤيدون موقف حكومة نتنياهو وهم أقرب إلى موقف منظمة "جي ستريت" اليهودية المعتدلة التي تؤيد حل الدولتين وتعارض سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية.
هناك طريقتان للتأثير على موقف الولايات المتحدة من ملف الصراع: الأولى ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني وتوحيد الصفوف وتعزيز المقاومة الوطنية للاحتلال والاستيطان والتركيز بشكل خاص على المقاومة الشعبية السلمية المدعومة دولياً، وحشر إسرائيل وزيادة عزلتها الدولية بشكل لا يجعل الولايات المتحدة تقدر على التغطية على سياسة إسرائيل. والثانية هي اتخاذ موقف عربي ضاغط يضع مصلحة أميركا في كفة والموقف من الصراع في كفة أُخرى. وللأسف هذان الخياران غير واقعيين لأسباب كثيرة لا مجال للتطرق إليها الآن.