شمس نيوز / ولاء فروانة
تصوير: حسن الجدي
يقترب من أمه بحرص خشية من أن تتسبب يداه الصغيرتان في ألم أمه دون قصد منه، فعندما جرب ذلك مسبقا مرات كثيرة رآها تعقد عيناها تكظم ألمها، بدلا من أن يرى بسماتها الحانية عليه، فيتراجع عن ذلك فورا، كرم لم يبلغ الثلاثة أعوام بعد لكنه أدرك بأن أمه ليس كباقي أفراد عائلته السليمة، فهناك خطب ما يؤلمها وبالتحديد هنا في رجلها فهي تبدو غير طبيعية.
الشابة العشرينية فداء أبو عودة، تقطن في بيت حانون شمال قطاع غزة، في بيت متواضع تخطيطه العمراني القديم يضفي عليه صبغة الجمال رغم بساطته، لها أربعة أطفال أكبرهم "أنس" في الصف الرابع، وأصغرهم "ميرا" التي لم تبلغ التسعة شهور.
تعاني من "داء الفيل" النادر، منذ عقد من الزمان، دون أن يتمكن أطباء غزة من تشخيصه في بداية الأمر، بعدها تم تشخيصه لكن أخبروها أن لا علاج له.
تسرد أبو عودة "٢٦"سنة، قصتها لـ "شمس نيوز"، وهي تحاول لملمة قدمها ببطء لتستطيع الجلوس : "تزوجت في عام 2007 بعد زواجي بثلاثة أشهر، بدأت ألاحظ ورم في قدمي يذهب ويعود، فزرت أشهر الأطباء المعروفين في غزة طمأنوني وقالوا لي بسيط وسيذهب لا تقلقي".
تضيف: استمررت على هذا الحال وأنا أخشى من تطور المرض وأزور الأطباء، يصفون لي أدوية يجلبها زوجي من الصيدلية وأنتظر أن تأتي بمفعولها، أو أشعر بتحسن، لكن دون جدوى.
وتتابع: "بدأت أرى الورم يتمدد من القدم إلى الساق حتى وصل الركبة، فقال لي الأطباء سيتوقف هنا لن يتمدد فوقها، لكنه استمر بالتمدد حتى فاق الفخد قالوا انتهت القدم لن يتمدد اطمئني، والآن وصل إلى البطن وبدأت تظهر نفس العلامات في القدم الأخرى" لقد تجاوز سمك قدمها عن ٦٠سم، وإذا أصابت الرجل التهابات يصبح لونها أسود داكن ولا يوقف الألم شيء مهما فعلوا كما يقول زوجها أبو أنس، الذي تدخل في الحديث بعد أن حشرج صوت زوجته وهي تتحدث عن مصابها.
يؤكد أبو عودة بأن المشكلة تكمن في عدم توفير تحويلة علاج لزوجته من قبل مشفى الشفاء في غزة للعلاج في الخارج، فهو يبحث عن تحويلة منذ عشرة أعوام ويذهب هنا وهنا عله يستطيع توفيرها لزوجته لتلقي العلاج في إحدى الدول التي اخبروهم أطباء من الخارج أنه يتوفر لديهم العلاج وأن علاجه سهل مثل دولة ألمانيا.
وأشار إلى، أنه تم تحويل زوجته إلى مشفى المقاصد بالقدس المحتلة في عام 2010، لمدة ثلاثة أيام أخبرها وقتها الأطباء بأنها جاءت متأخرة ولا علاج لديهم. وترجع أبو عودة السبب لأطباء غزة، فبعد أن تم تشخيص المرض رفضوا إعطاءها تحويلة للخارج بحجة أن لا علاج له في أي مكان.
وتستطرد أبو عودة وعيونها ملئا بالدموع اليائسة إلا من رحمة الله، بالقول: "لا أريد فقط إلا أن اشعر أني انسانة كالباقي وأعود لطبيعتي" فهي لا تستطيع الحركة من سريرها إلا بشكل بسيط جدا في الأوقات التي تكون قدمها غير ملتهبة، هكذا نصحها الأطباء وبالتالي لا تستطيع تلبية أي طلب لأطفالها، فتتقطع عليهم عندما يطلب صغيرها خبزة ليأكل، أو يطلب الأكبر أن تساعده في ارتداء ملابسه للمدرسة، بينما حماتها امرأة كبيرة في السن لا تسمع جيداً، وتحتاج لمن يساندها وهي قائمة على رعاية أطفال ابنها.
وتبين أبو عودة، بأنها تقضي أسبوع من كل شهر أو أكثر في مستشفى الشفاء بغزة، وإذا زادت الأمور سوءا يضعوها بالعناية المركزة، وفي أواخر فترة الحمل لأطفالها تقضي المدة كلها في المستشفى ممنوعة من القيام بأي حركة.
وتروي موقف يؤلمها حيث صرخ بوجهها أحد الأطباء بقوله "بلزمكيش اولاد، بلزمكيش زوج، ابقي في الفراش فقط"، وتعقب على قوله وأطفالي الآن كيف سأتصرف معهم، لمن أتركهم.! زوجها منذ عشر سنوات فقط يعمل لتوفير الأدوية التي يكتبها الأطباء وهي مكلفة كثيرا حسب قوله، وكان يعمل سائقا إلا أنه اضطر لاحقا لبيع سيارته لحاجته للأموال وبقي بدون عمل.
رغم الإحباط الذي تعاني منه العائلة بأكملها إلا أن دكتورا ألمانيا شخص حالتها قبل أربعة سنوات، وعند عودته لألمانيا أرسل لهم تقريرا طبيا، بأن السرير بات محجوز لها، وأن العلاج متوفر في ألمانيا، لكن يجب الإسراع كي لا يزيد الوضع خطورة، بينما رفض أطباء القطاع من التعامل مع التقرير ورفضوا إعطائها التحويلة اللازمة.
بعد يأسها، تقول أبو عودة: إنها طلبت من الأطباء أن يتم بتر قدمها قبل أن ينتشر في باقي جسدها، فأخبروها بأنهم سيدرسون الأمر.
وتبدي مخاوفها الآن من انتشار المرض في جسمها وتناشد المعنيين من منحها تحويلة العلاج اللازمة لأي دولة يتوافر فيها العلاج فعشرة سنوات كافية لتحملها هذا المرض فقد أنهكها نفسياً وجسمياً فالنوم أبسط الأشياء لا تستطيعه.
ويسمى داء الفيل أيضا بالفيلاريا الليمفاوية lymphatic filariasis.
وهو، يصف المتلازمة التي يتضخم فيها الأرجل والذراعين والأعضاء التناسلية بصورة واضحة للعين إلى أحجام تشبه الأحجام في الفيل. تصيب الفلاريا الليمفاوية ما يصل إلى1 مليون شخص بالعالم وتنتشر في المناطق الحارة والمعتدلة ومن بينها أفريقيا الوسطي ووسط وجنوب أمريكا.
وفي عام 1955 بادرت منظمة الصحة العالمية بوضع برنامج عالمي للقضاء علي هذا المرض، واعتبرته مشكلة صحية عامة.