بقلم: أكرم عطالله
لا أحد يعرف الظروف والحيثيات التي أدت الى اعتقال الوزير رياض الحسن والذي كان حتى فترة قصيرة واحد من أهم المقرين لدائرة صنع القرار في السلطة الوطنية، ولم يصدر حتى بعد مرور هذا الوقت على اعتقاله ما يعطي تفسيراً أو توضيحاً للأمر ولكن هذه هي المرة الأولى التي تعتقل فيها السلطة رجل بهذه الدرجة.
عرفت رياض الحسن بعيد مجيء السلطة عندما كان مديرا عاما للهيئة العامة للاستعلامات لكن اقتربت من الرجل أكثر بعد أن قام بتأسيس مجلة رؤية للأبحاث والدراسات قبل أكثر من عقد ونصف والتي بدأت بالكتابة فيها، كان رياض رئيس تحريرها وهي مجلة تمكنت من تحقيق حضور لافت وخصوصاً في أوساط النخبة الفلسطينية وأساتذة الجامعات حيث استكتب رياض فيها عدد من المثقفين الفلسطينين خارج الوطن وكذلك مثقفين عرب.
هذا التقارب يشعرك أنك أمام شخصية ادارية من طراز رفيع قياسا بما كان موجود حينها في مؤسسات السلطة من حيث انضباط الهيئة وحيويتها وحجم ونوعية الانتاج الاعلامي كانت تبدو متقدمة عن نظيراتها من هياكل حكومية كنا دائماً نقول نحن كتاب المجلة لو كان الأداء الاداري الفلسطيني يشبه أداء الهيئة أو لو كان اداريو السلطة بمستوى أداء رياض الحسن سيكون حال السلطة أفضل.
هذا الأداء الذي جعله يتقدم ليصبح مسئولاً عن وكالة الهيئة وكذلك وكالة الانباء الفلسطينية وفا ومن ثم مسئولاً عن الاعلام الحكومي كله بما فيه التليفزيون ليصبح بدرجة وزير ومحل ثقة الرئيس، وحتى بعد أن أحيل الرجل على التقاعد بعد بلوغه الستين نهاية العام الماضي بدأت ترتيبات لتشكيل المجلس الأعلى للاعلام وكان هو المرشح لرئاسته لأنه واحد من الكفاءات التي يثق بها الرئيس.
ما الذي حدث فجأة حتى نسمع عن اعتقال الرجل على المعبر؟ لست مقتنعاً بأن المقال الذي كتبه عن غزة يشكل سبباً للاعتقال كما يقول البعض، فالمقال يلقي لوماً على السلطة لتجاهلها الموظفين هنا وقطع رواتبهم وقد كتب بذلك وقال كثير من الكتاب وغير الكتاب ولا يمكن اعتقال وزير لمجرد مقال لم يمس فيه لا الرئيس ولا الحكومة ولا يتجاوز القانون.
يبدو أن وراء المسألة شيء آخر بعض أصدقاء الوزير قالوا أن كل القصة كانت بسبب المقال وأن الأيام الأولى للاعتقال شهدت وساطات طلبت منه الاعتذار لينهي الأمر، لكن أحد الذين عملوا في تليفزيون فلسطين وهو عبد السلام أبو ندى تحدث في مقال نشره سابقاً عن معارك الشركات الاعلامية وحربها ضد رياض الحسن الذي تجاوز الخطوط الحمراء في ما يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة لها.
البعض يقول أن الرئيس الجديد الذي تسلم خلفاً لرياض الحسن بدأ بالبحث في ملفات الهيئة وأن هناك أخطاء تم ارتكابها في عهد الوزير الذي تم اعتقاله وأن هذا الاعتقال جرى بناء عليها ولا علاقة للمقال الذي كتبه الرجل بما حدث له.
الحقيقة غائبة حتى اللحظة وكلما أردنا البحث عنها نجد تضارب كبير في التكهنات والروايات وبغض النظر عن كل تلك الروايات لكننا أمام حقيقة اعتقال وزير مطلوب اطلاق سراحه بكفالة مكانته السابقة وبالامكان منعه من السفر لحين اتخاذ الاجراءات القانونية اذا كان هناك ما يستدعي اتخاذها ومحاكمته عليها.
التساؤلات قائمة علناً أو همساً هنا في غزة البعيدة والمتخمة بقضايا حتى أكبر من اعتقال وزير أو في الضفة دون أن يتحدث أحد باستثناء الكاتب حسن البطل الذي يعرف الحسن جيداً في كل محطات الثورة واعلامها وقدم شهادته بالرجل كواحد من الذين ظلوا مخلصين للقضية، فقد عملا سوياً ليكون لنا هذا الصوت الذي ملأ العالم خلال عقود أنتجه هذا الجيل من الاعلامين الأوائل.
معظم هذا الجيل ذهب للعمل السياسي مثل نبيل عمرو وأحمد عبد الرحمن وبقى وظل قليلون منهم مستمراً في الاعلام، كان الحسن واحداً منهم وقد تمكن من بناء مؤسسة مدعاة للاحترام ألا يشفع له ذلك ؟ لازلنا ننتظر اجابات..!!!
المقال يعبر عن رأي الكاتب