بقلم /حلمي موسى
انشغل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اليومين الأخيرين بمهاجمة منتقدي إسرائيل في المحافل الدولية. وطبعا نال نصيبا من هجماته ليس الفلسطينيون وحسب وإنما كل من ناصرهم سواء في الهيئة الإدارية لمنظمة اليونسكو أو في النقاش الذي جرى حول الاستيطان في مجلس الأمن الدولي. وكالعادة يؤمن نتنياهو بأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم وأن ترسيخ الادعاء واعتباره حقا يتأتى من كثرة ترداده وليس من أسس وجوده.
ولم يغب عن باله أيضا مهاجمة منظمات حقوق إنسان إسرائيلية، مثل حركة «بتسيلم» التي ساهم أمينها العام في مناقشات مجلس الأمن غير الرسمية عارضا قرائن إدانة للاحتلال ومطالبا الأسرة الدولية بالعمل السريع على إنهائه. واعتبر نتنياهو أن «في الديموقراطية الإسرائيلية تجليات تتمثل في نشوء منظمات وهمية وواهمة مثل «بتسيلم»، ولكن معظم الجمهور يعرف الحقيقة». وأكد «أننا سنواصل الدفاع عن العدل وعن دولتنا في مواجهة كل الضغوط الدولية».
وكانت إسرائيل تلقت في الأسبوع الأخير ضربتان دبلوماسيتان تناقضان ادعاء نتنياهو بأن مكانة إسرائيل الدولية تتعزز وأن القضية الفلسطينية تتراجع ليس فقط في العالم وإنما أيضا في محيطها العربي. وقد اعتبرت افتتاحية «هآرتس» قرار اليونسكو بشأن البلدة القديمة في القدس والحرم الشريف «هزيمة نكراء لسياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو». وذكرت أن نتنياهو صار يزعم مؤخرا أن العالم «ضجر» من القضية الفلسطينية وأن «قوة إسرائيل العسكرية تجتذب إليها الدول العربية المحافظة التي تخاف مثلها من إيران ومن الإسلام الراديكالي، وأن لاسرائيل بديل عن الدعم الاميركي يتمثل بالقوى العظمى الصاعدة مثل روسيا، الصين والهند. وقد وعد نتنياهو، بأنه بعد قليل ستتفكك حتى «الأغلبية التلقائية» في صالح الفلسطينيين في الامم المتحدة. وبلغة أقل نقاء، يدعي نتنياهو أن اسرائيل نالت إذنا عالميا لمواصلة الاحتلال والاستيطان، وبوسع الفلسطينيين أن يذهبوا الى الجحيم».
وأشارت الافتتاحية إلى أن تصويت اليونسكو الذي تبنى الرواية الفلسطينية والإسلامية بشأن الحرم القدسي وتضمن أن ما يعرف بحائط البراق هو أيضا أرض محتلة وفق القانون الدولي يعتبر شديد الإهانة لإسرائيل. ولاحظت أن من يعتبرهم نتنياهو أصدقاء جدد مثل مصر وروسيا والصين وتشاد أيدت القرار فيما امتنعت عن التصويت دول يعتبرها حليفة مثل الهند واليونان.
وقد كتب بن كسبيت في «معاريف» أن الهجوم على اليونسكو يمثل «ذروة جديدة من حالة اسرائيل المثيرة للشفقة. فاليونسكو لم تقرر شيئا في نهاية الاسبوع. اليونسكو هي منظمة تفعل الأمور، وإسرائيل تحظى بالتعاون معها في مشاريع عديدة، مثمرة ومجدية لمنفعة كل الاطراف. من اتخذ القرار السخيف كان 24 دولة، في التصويت. من عارض كان 6 دول. اين اختفى تبجح نتنياهو الذي لا ينتهي مع الاعلام عن تحطم الاغلبية التلقائية ضد اسرائيل؟ اين كتل الدعم الجديدة التي تبلورت في صالحنا؟ الحد الأقصى الذي نجحنا في عمله هو أن نقلنا بضع دول اوروبية من التصوت مع الى الامتناع. تصفيق حاد. ليس لقرار اليونسكو أي تأثير، أهمية او أي نتائج. وهو لا يشبه الاعلان اياه في الامم المتحدة عن الصهيونية كعنصرية. وعليه فإن هجوم نهاية الاسبوع، يخدم مرة اخرى، الهدف الأسمى لنشر ستار من الدخان والرمال في عيون الجمهور بمثابة الجميع لا ساميون ونتنياهو وحده سينقذنا منهم».
وبعد ذلك أجرى مجلس الأمن الدولي نقاشا حول المستوطنات أظهر أن العالم يقف في واد وإسرائيل نتنياهو في واد آخر. وحتى الإدارة الأميركية لا تقف إلى جانب إسرائيل في كل ما يتعلق بالمستوطنات رغم أنها لا تزال توفر الدرع الواقي لإسرائيل في المحافل الدولية وتمنع عنها مواجهة قرارات أشد لهجة وأوضح أفقا. ويؤمن كثيرون في إسرائيل أن ما يحول دون استمرار الأسرة الدولية في صدامها مع إسرائيل لا يقف عن الكلام وإنما يتطلب من إسرائيل خطوات جدية.
صحيح أن الإدارة الأميركية مثل أحزاب الوسط في إسرائيل تؤمن أن عملية سلمية وهمية أفضل من واقع الجمود الحالي. وهذا ما تردد مرارا على ألسنة مسؤولين كبار في هذه الأحزاب وآخرهم تسيبي ليفني من المعسكر الصهيوني. وهو ما كشفت وثائق ويكيليكس الأخيرة عن إيمان هيلاري كلينتون بذلك عندما كانت وزيرة للخارجية في العام 2013. غير أن ما يصعب على الكثيرين فهمه هو أن نتنياهو، خلافا لأغلب رؤساء حكومات إسرائيل السابقين، لا يستطيع ادعاء رغبته الجدية في السلام مع الفلسطينيين. فهو من ناحية لا يقر بأسس الصراع ولا يرى أن جيشه يحتل أراض ليست له ولا يؤمن أن حكومته تدير شؤون شعب آخر منذ حوالي خمسين عاما. وهو لا يرى حتى الآن في السلطة الفلسطينية شريكا ولا يتطلع لتقاسم أرض فلسطين معها في حل «دولتين لشعبين».
وتكمن صعوبة ادعاء نتنياهو برغبته في سلام قائم على أسس الشرعية الدولية في أنه أيضا صاحب رؤية أيديولوجية حاول بكل السبل تعزيزها داخل الليكود وخارجه. وتقريبا لا أحد أشبه بنتنياهو من رؤساء حكومات إسرائيل أكثر من اسحق شامير الذي جاهر بقوله أنه سوف يفاوض الفلسطينيين إلى الأبد موضحا أنه لن يتوصل معهم إلى سلام. وربما أن هذا يكمن الآن في أساس الموقف الذي أعرب عنه المراسل السياسي لـ «هآرتس» باراك رابيد من أن نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس يعيدان الصراع إلى دائرته الدينية التي يصعب أن تولد حلا.