شمس نيوز/منى حجازي

تصوير/ حسن الجدي

عامان، ويتحاشى الستيني عودة أبو شقرة (69 عاماً)، النظر إلى قدمه اليسرى، بعد أن ترك أحد الصواريخ الإسرائيلية بصمته الغائرة في جسده، أعيد بناء المنزل المقصوف، بعد سنة ونصف سنة، لكن تشوهات قدمه لا تزال تذكّره بأهوال صيف تموز 2014.

بين زوايا مركز الأطراف الصناعية،الذي يعتبر المركز الوحيد في القطاع وتأسس عام 1976، ليخدم ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعمل المركز التابع لبلدية غزة على مساعدة حالات البتر في القدمين أو الساقين بتوفير طرف صناعي يستطيع المريض من خلاله متابعة حياته بشكل طبيعي بعد أن يتدرب على التعامل معه.

يجلس الستيني بملامحه القمحية، واضعا عكازه جانبا، متأملاً قدمه الجديدة، مصغياً لتعليمات مرشدة العلاج الطبيعي، التي تحاول تمرينه جيداً لكي يستوعب العضو البلاستيكي الجديد، الكل ينتظر نجاح محاولته كالطفل في بداية عهده في المشي، بينما هو تجاهل التفاصيل وغرق بانتظار لحظة الانتهاء بلهفة ليقوم برفقة زوجة ابنه بجولة زيارات للأقارب بعدما حرم لسنوات الخروج من البيت، واستنشاق عبير الحياة بعيداً عن مرارة الماضي فيها.

على جانبه الأيمن، تجلس السيدة كريمة اشتيوي (55 عاماً)، على كرسيها المتحرك، الذي أصبح يلازمها منذ سنوات بعدما أصيبت بمرض السكري واضطر الأطباء إلى بتر قدمها، وقبل أن تصل إلى المركز ويُعيد لها تقبّل السيد أبو محمد للعضو الجديد بكل راحة، الأمل بالعودة للمشي على قدميها كما كانت، ولا تزال ترسم على وجهها ابتسامة  مع كل خطوة نجاح تخطوها قدم الحاج عودة على الأرض.

تأهيل المريض

بلباسها الأبيض، وابتسامتها الباعثة للاطمئنان، تحدثت رينا شحادة أخصائية علاج طبيعي بالمركز لـ "شمس نيوز"، حول طبيعة عملها مع الحالات، قائلة :" عملي هو تأهيل المريض وتعليمه كيفية التعامل مع الأطراف الصناعية قبل تركيب الأطراف وبعدها وذلك من خلال القيام بتمارين علاجية وتأهيلية ".

وتضيف رينا وهي تجهز السيدة كريمة لبدء التمرين:" بعد فترة من التدريب تبدأ مرحلة إضافة الجماليات فنغطيه بمادة الإسفنج كي يبدو بشكل لائق وجميل"، موضحة في  الوقت ذاته أن عدم توافر المواد الكافية لتجهيز الأطراف من الصعوبات التي تعرقل العمل بالمركز.

وتعلق في ختام حديثها:" أكثر ما يؤلم المريض الانتظار الطويل قبل تركيب الأطراف الصناعية، مما يشعره بأنه عالة على المجتمع فتتعب نفسيته،نحاول بكل ما نستطيع التخفيف عنهم وتشجيعهم لتقبل الأطراف الصناعية، مشيرة إلى أن عدد الحالات التي تتعامل معها يوميا في تلك الفترة تبلغ ستة حالات.

أحمد عبسي أخصائي أطراف صناعية وأجهزة تقوس العمود الفقري، يوضح لـ "شمس برس"، دوره، نتعامل مع كافة أنواع البتر سواء كان في الأطراف العلوية أو السفلية وسواء كان ذلك البتر طويلا أو قصيرا، نجحنا  في إحراز تقدم في حالات البتر المبتدئي بالحوض والتي تعتبر من ناحية فنية معقدة، مضيفا: "أن المركز أنتج أول طرف من هذا النوع ونتائجه كانت حسنة".

انجاز عظيم لنا

الأخصائي عبسي، عبر عن سعادته بمهنته الذي يمنح من خلالها الحياة لمرضى فقدوا أطرافهم، وتحولت حياتهم حينها إلى كهف مظلم، مضيفا: "أشعر بالسعادة والرضى عما أقدمه أنا وزملائي من خدمة لمن بترت اطرافهم نخفف من ألامهم، فعندما يأتي مريض على كرسي متحرك وبعدما يتم تركيب أطراف صناعية له تساعده على الحركة أكثر من الكرسي، حينه نشعر بالانجاز العظيم سواء للمركز أوللشخص نفسه".

الطبيب أحمد، هو أب لطفلين، يستذكر لـ "شمس نيوز"، إحدى القصص العالقة في ذهنه، لطفلة كان لديها عيب خلقي حيث كانت هناك رجل أطول من الثانية، ومثل هذه الحالة تحتاج إلى جهاز خاص، حيث تم العمل على هذه الحالة بجهاز خاص وبعد سنة وثلاثة أشهر، استطاعت الحالة الوقوف على رجليها، وأصبحت أواكب مراحل حياتها وأتابعها منذ ان كان عمرها عام واليوم دخلت الصف الثاني وتواصل حياتها بشكلها الطبيعي وتزورنا كل سبعة أشهر كمتابعة لصحتها.

فأنا كأب حينما أرى طفلي يلعب ويخرج بكامل حريته، وغيره من الاطفال ممن يعانون من مشكلات بأطرافهم، شيء ما يدفعني بشكل قوي إلى مواصلة عملي ورعايتي لهؤلاء الأطفال، والفرح يغمر قلبي حينما أراهم يخطون بأقدامهم الأرض ويلعبون ويواصلون تعليمهم".

وتبلغ تكلفة الأطراف الصناعية ما معدله ثمانية آلاف شيكل للطرف السفلي، ؤبتقل وتزيد حسب الاحتياجات التي تتطلبها كل حالة، وسواء كان الطرف فوق الركبة أو أسفلها، كما تبلغ تكلفة الطرف العلوي خمسة آلاف شيكل، بينما تكلف أجهزة الشلل من 2500 شيكل حتى 3000 حسب الإضافات التي تدخل عليها.

خمسة آلاف حالة!

ووفق إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية في غزة خلفت الحرب 1200 شخص أصيبوا ببتر في الأطراف.

وقال مدير المركز حازم الشوا :"إن المركز يتعامل مع خمسة آلاف حالة كانت قبل الحرب الأخيرة على غزة من مرضى السكر وضغط الدم وتصلب الشرايين، إضافة إلى ضحايا حوادث الطرق، وجرحى الانتفاضة والاقتحامات الإسرائيلية والقصف"، مشيرا إلى أن العدد تضاعف بعد الحرب الأخيرة على غزة ويتوقع أن يحتاج أكثر من 250 شخص لأطراف صناعية .

وبين الشوا، أن المركز قام خلال الشهر المنصرم بفحص ومعاينة ومتابعة 30 حالة من ذوي الاحتياجات الخاصة حركياً لذوي الاحتياجات من المعاقين حركياً أو شلل في أحد الأطراف سواء في الأيدي أو الأرجل.

كما أوضح أن، الأعمال بالمركز تشمل تصنيع وتجهيز الأطراف الصناعية المتنوعة وأجهزة شلل وتآكل مفصل الحوض وأجهزة مساعدة لتقوس، وتقويم الساقين وسواند بلاستيكية مختلفة، وأجهزة تقويم العمود الفقري، بالإضافة إلى صيانة وتصليح عشرات الأجهزة والأطراف الصناعية.

وأكد الشوا أن، مركز الأطراف الصناعية قد أسهم بشكل فعال في تخفيف آلام ومعاناة المعاقين حركياً من أبناء شعبنا الفلسطينيين، قائلا :"المركز مجهز بأحدث التقنيات الطبية، ويضم ثلاث وحدات هي وحدة الأطراف الصناعية ووحدة السواند البلاستيكية والأجهزة التعويضية ووحدة الشلل". 

ولفت الشوا إلى، أن المركز ينتج خمسة عشر إلى عشرين طرفا شهريا، يتم تمويلها من وكالة الغوث للاجئين حيث تغطي 50 % من تكلفة الطرف بشرط ألا تتعدى تكلفته 500 دولار، متابعا:" هنالك برامج تمويل دولية ومحلية كالإغاثة الإسلامية التي تغطي تكلفة الطرف بالكامل، ومؤسسة "الهاندي كابت انتر ناشونال"، وغيرها.

وأضاف أن المركز يضم اثنين وعشرين بينهم مختصو علاج طبيعي ، و ثلاثة خبراء أجانب، وخمسة فنيين هم فقط الموجودين في القطاع لذلك يعمل المركز على تدريب طاقم مساعد كما ابتعث فنيين للتدريب في الخارج.