بقلم/ عبدالله مغاري
منذ أن بدأت النيران تشتعل داخل أراضينا المحتلة، توجهت الأنظار إلى هناك لمتابعة لهيبها، وعلى طول امتدادها كنا نسأل ما الذي يحدث وكيف يحدث، ولا زلنا نكرر ذات الأسئلة، على مدار خمسة أيامٍ لكننا لم نجد ولن نجد الإجابة بعيدا عن "التكهنات".
غريب ما يجري، كيف لنا ألا نجد تفسيرا لتلك الحرائق في كيانٍ يمتلك كل القدرات التي تمكنه من إيقاف الكارثة، ليس الكشف عن أسبابها وقياس خطورتها فقط، وهذا ما يجعلنا نتساءل لماذا أخفت اسرائيل حتى توقعاتها الأولية عن جمهورها الداخلي، وهل حقاً سيطرت على حالة القلق التي يمكن أن يعيشها الإسرائيليون بسبب نقص المعلومات؟؟.
ربما سنبقى في حيرةٍ، حتى يفصح الاحتلال ويكشف ما جرى، فهكذا تعودنا أن نستقي معلوماتنا من أجهزة الإعلام الاسرائيلية التي ستفرض علينا كل ما يريد تمريره "نتنياهو"، حتى لو كانت الحرائق بفعل تجارب عسكرية أجرتها اسرائيل، ولا تستبعدوا ذلك.
لنعتبر أن حكومة الاحتلال لا تعلم الأسباب، دعونا نقترب وندقق قليلا في عناوين الصحف الاسرائيلية، فعلى مدار خمسة أيامِ، كانت أولها واصفةً لضخامة النيران وخطورتها، حصلت بعدها اسرائيل على استعطاف العالم وباتت أخبار الحرائق تغزو الصفحات العالمية لتسيّر بعدها دول العالم شيئا من قدراتها لانقاذ الاحتلال.
بعد أن حصر الاحتلال أنظار العالم التي سارت مع الطائرات الروسية وهي تطفئ الأحراش، بدأ يتحدث إعلامه عن "شماتة" الفلسطينيين به، ولعب على الوتر العاطفي لدول العالم، حين قال عنا "بلا إنسانية، نفرح لاحتراق الأشجار".
بذلك، يكون الاحتلال قد أعطى العالم فكرة أن هناك من يصفق لما يحدث، ليكون من السهل عليه بعد ذلك اقناع العالم، بأن هذه الحرائق المرعبة ما كانت لولا أن افتعلها فاعل، وغالبا الفاعل هو الذي تشمت، هكذا وصلت الرسالة الأولية قبل أن تتصدر الصحف الاسرائيلية صورا لأشبال زعمت اعتقالهم بتهمة اشعال النيران، أشبال حرقوا إسرائيل، هكذا فهم أو سيفهم العالم بعد قليل.
اللافت للانتباه، بأن إحدى تلك الصور كان فيها الجرح والضرب الذي تعرض له الشاب عند اعتقاله واضحا، بل بدا الجندي المنفذ لعملية الاعتقال في الصورة وكأنه يلتقط صورة تذكارية مع المعتقل، وهذا ما لا تفعله "اسرائيل"، فجنودها لا يلتقطون الصور مع المعتقلين ورقابتها العسكرية لا تخرج صورا لحالات اعتقال تنافي القانون الدولي والإنساني، فجراح رأس الشاب ظهرت وكأنهم يريدون القول "اعتقلناهم متلبسين وإن لم يكن ذلك، فقليل هذا الجرح على من حاول إحراق السكان"، إنها رسائل محكمة.
هذا على صعيد ما يمكن أن تفعله الحكومة الاسرائيلية في سياق إدارتها للازمة -إن وجدت-، أما على صعيد المتشددين ففعلوا أيضا واستغلوا النيران، إن لم يحرضوا علينا حرضوا على نتنياهو كي يحرقنا بنيران الاستيطان.
الحاخام الإسرائيلي الأكبر في مستوطنات شمال الضفة المحتلة "اليكيم لفنون"، هاجم رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قائلاً: إن ما يحصل لنا عقاب من الله بسبب نتنياهو الذي ينوي إخلاء مستوطنة عمونا في الضفة.
نحن مع الاسف بكل سخرية تناولنا حديث الحاخام، اعتقدنا أنه يقول ما لا يفهمه أو أن الخوف جعله يهاجم نتنياهو، أو أنه كقادتنا فقد التوازن بالحديث، لكن ما لم ندركه أن هذا الحاخام، والذي يؤثر على شريحة واسعة من المجتمع الاسرائيلي قد استغل الفرصة؛ ليحشد جمهوره ضد نتنياهو ويقنعهم بأن ذلك فعلا عقاب وأن على نتنياهو الهروب من عقاب الله من خلال ابقاء المستوطنات وقتل الفلسطينيين.
إذاً، لعبت اسرائيل بالنيران الملتهبة وسيرتها عبر خطواتها الدبلوماسية، و"البروباغندا" الإعلامية، بالتالي سيعطيها العالم البنزين لتحرق فيه ما تبقى من أرضنا، أما نحن فهيا نكمل التصفيق، ذلك التصفيق الذي لا يحب العالم سماعه.
المقال يعبر عن رأي كاتبه