شمس نيوز/ خاص
وقف يسند ظهره على الحائط القريب من "كشك الولادة"، يحرك أصابع يديه دون أن يقصد ذلك، ومن ثم يخطو للأمام ويعود للخلف مرة أخرى، الترقب والقلق والانتظار لـ "طلة" الدكتور أو الممرضة لتخبره بأن مولوده "ذكر"، فهو مستعد ليتلقى هذا الخبر لا غير.
المواطن محمد أحمد "اسم مستعار" ثلاثيني العمر، أنجبت له زوجته ست بنات وهو ينتظر "الولد"، تحدث لـ "شمس نيوز"، بقوله: "لا أكره البنات وعلى العكس من ذلك، فأنا أحب بناتي جميعاً ولا أفرق بين أي واحدة منهنّ، لكني أنتظر ابني بفارغ الصبر، أريد إسعاد قلب والدتي وأهلي الذين ينتظرونه بشوق، كأول حفيد ذكر لهم".
هذه الصورة تجدها مرسومة يومياً داخل أروقة المستشفيات الرئيسية الموجودة في قطاع غزة، لتعكس ثقافة المجتمع الفلسطيني المتمثلة ببعض الأقوال الشعبية، التي تتردد على أذهان الجميع حتى رسخت في العقول ولعب على أوتار العواطف لتحرك الرغبة وإن أبيت، مثل: "الي ملوش ولد ملوش سند".
أما ما يدفع النساء للرد على أزواجهن، مثل"يغلبك بالمال اغلبيه بالعيال" – أو "اربطيه بالعيال"، وحينما يتحدث أحدهم مع نفسه حول الوضع الاقتصادي الصعب، وكيف سيلبي احتياجاتهم، فينقذه المثل القائل: "بيجي وبيجيب رزقته معه".
اجتماعياً
تشرح الاختصاصيّة الاجتماعيّة د. هبة عرفات، خلال حوار صحفي، أنّ طبيعة المجتمع الفلسطيني تُعتبر فتيّةً، تُحب إنجاب المواليد، كما الزواج الذي يعتبر مُبكّرا نسبيّاً عن سنّ تتراوح ما بين 18-27 عاماً مقارنة ببعض الدول الأخرى، رغم أنّ الظروف المعيشيّة والاقتصاديّة متردية للغاية.
تستدرك بالقول: "ولكن، في الغالب، هذه الظروف الصعبة هي التي ساهمت بشكلٍ كبير في ارتفاع معدلات المواليد، رغم الإغلاق والحصار ومنع حرية السفر والتنقل، بالإضافة إلى ندرة فرص العمل: هناك عدّة عوامل تؤثر مباشرة في حثّ النساء أكثر من الرجال على إنجاب المواليد في غزّة".
تضيف: "فحين تتزوّج أي فتاة، تبدأ النساء من حولها بترقّب حملها الأول، حتى إنّ الزوجة نفسها تكون قلقة جداً بالنسبة إلى مسألة الحمل، فإذا لم تحمل مباشرةً، فستبدأ الكثيرات من النساء من حولها بالقيل والقال، ما يُسبّب مشاكل كثيرة في الأسر والعائلات، خاصة من قبل الحموات اللاتي يتبادلن الاتهامات حول مكمن المشكلة الزوج أو الزوجة".
وتشير إلى، أنّ نسبة كبيرة من النساء في غزة لديها قناعة بأنّ كثرة المواليد تمنع الزوج من التفكير في زوجة ثانية، إضافة إلى أن أخريات يبقين ينجبن حتى ولادة أول مولود ذكر، إضافة إلى سعي الرجال للعائلة الكبيرة الممتدة، إثباتاً للرجولة والمسؤولية، وعدم تفرّق الأبناء مستقبلاً، وبقائهم عصبة واحدة.
أمّا الرجال، تقول: فـ "منذ أحداث عام 2007"، استنكف آلاف الموظفين عن العمل يقضون أغلب ساعات يومهم في البيت بلا عمل، وهو سبب رئيسي في ارتفاع المواليد في قطاع غزّة يضاف إليه، الفقر والبطالة اللذان يدفعان بالأزواج إلى التفريغ النفسي عبر "الجنس" وكما هو معروف، فإنّ العلاقة الجنسيّة بحيويتها تمثّل شكلاً من أشكال التنفيس عن الضغط والضنك، في ظل أجواء من الحب والدفء".
الجانب النفسي
مدير مركز الاستشارات النفسية والتنمية البشرية د. فضل أبو هين، في حديثه لـ "شمس نيوز" حول المؤشرات والأرقام التي وصفها بـ "المقلقة" بما يتعلق بعدد المواليد في قطاع غزة، علق بالقول: "إن الإنسان لا يستطيع وضع حواجز على هذه الأرقام أو حدود على نتائجها وهذه الممارسات، فالعديد من الأسباب المرتبطة ببعضها مثل الزواج المبكر، العائلات الممتدة، وثقافة المجتمع أسباب تدفع إلى ذلك".
وأكد أبو هين، أن حل مثل هذه القضية لا يأتي إلا بشكل توعوي للمواطنين، بشتى الوسائل لأن الحد من هذه الدائرة صعب، فالدين لا يمنع والعرف لا يمنع والأفراد يشجعون أيضاً.
واستدرك: "لكن الأرض تقل، والسكان يزيدون هذا غير مبشر بخير فينجم عنه الكثير من المشاكل الاجتماعية بسبب بحث كل وحد عن تأمين نفسه وعائلته بالخدمات الأساسية من مسكن ومأوى ومأكل ومشرب"، وفق اعتقاده.
ووفق تقريرٍ صادرٍ عن «جهاز الإحصاء الفلسطيني» في مطلع عام 2016، فإن قطاع غزة البالغة مساحته 360 كليومترا مربعا يعدّ من أكثر بقاع الأرض ازدحاماً بالسكان، ويسجّل لكلّ كيلو متر مربع 4661 نسمة، يعيشون في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، بعد فرض "إسرائيل" حصارا على القطاع في حزيران/ يونيو 2007.
الوضع لا يحتمل!
الخبراء الاقتصاديون، اتفقوا على أن الوضع الاقتصادي في القطاع لا يحتمل أكثر من ذلك، محذرين من كوارث إنسانية قد تحل بالمواطنين، في حال استمر الوضع على ما هو عليه، من حصار واحتلال وانقسام وإغلاق للمعابر، ومحدودية الموارد الطبيعية وسيطرة الاحتلال على معظمها.
الخبير الاقتصادي والمحاضر بجامعة الأزهر د.سمير أبو مدللة قال: الأمم المتحدة أعلنت بأن في عام 2020 قطاع غزة غير صالح للسكن، لكن وفق المؤشرات الحالية والمتسارعة فإن القطاع غير صالح للعيش حالياً، فالنمو الاقتصادي فيه يسير بشكل سلبي، لأنه يجب أن يكون النمو الاقتصادي يزيد عن النمو السكاني، كي يتم الحفاظ على مستوى دخل الفرد ومستوى المعيشة.
وأفاد أبو مدللة، بأن تقارير البنك الدولي تؤكد بأن 37% من سكان قطاع غزة يفتقدون للأمن الغذائي بشكلٍ كامل، وأن 10% فقط يتلقون مياه نظيفة، ومشكلة البطالة وانسداد الأفق في وجه الشباب فيعاني 60% منهم من البطالة.
من جانبه، أكد مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة تجارة وصناعة غزة، د.ماهر الطباع، بأن قطاع غزة يعاني من منطقة جغرافية محدودة بالإضافة لغيرها من العوامل، فالزيادة في نسبة المواليد يجب أن يوازيها زيادة في المشاريع التنموية، وتحسين البنية التحتية والخدمات العامة من مدارس ومستشفيات وكهرباء وصرف صحي وغيرها، لذلك تعتبر الزيادة عبء على الدولة.
ولفت إلى، أن تعرض القطاع لثلاث حروب متتالية ساهم بشكل "مأساوي" في تدمير البنية التحتية الضعيفة بالأصل.
وحذر الطباع بالوقت ذاته، من عدم الشروع في تطوير وإقامة مشاريع تنموية سريعة لقطاع غزة، معقباً: "لا تأتي تلك المشاريع إلا بعد فك الحصار المفروض منذ أكثر من عشرة أعوام، فإن الأزمات ستتفاقم في المرحلة القادمة، والقطاع لن يحتمل".