بقلم: أكرم عطالله
لن تتوقف الشكوى في غزة، ولن تتوقف الكتابة عن مآسي أصبحت تتوزع في كل زاوية من زواياها المظلمة، حتى لو وضع كل المسئولين كل طين الأرض في آذانهم وتوقفوا عن القراءة، فعلى الأقل تبقى تلك شهادة أو نداء استغاثة من منطقة يصفي الاسرائيلي معها حساب التاريخ بلا رحمة دون أن يفعل المسئولون ما يكفي لانقاذها.
مأساة الطب في غزة تتفاقم ليس بسبب زيادة المرض فقط، بل بسبب انعدام ممكنات العلاج، هنا في غزة لدينا أطباء رائعون، يبذلون ما يكفي من الجهود، لكن امكانياتهم العلمية في ظل الحصار ممنوعة من التطور، والمأساة الأكبر أن جيل الاختصاص في الطب إما أن يصل سن التقاعد أو يموت، ولا يحل محله اختصاصيون جدد بسبب الحصار ومنع السفر، هذا بالاضافة الى انعدام الأجهزة والأدوات الحديثة، كل ذلك جعل من العلاج بالخارج هو حبل النجاة الوحيد للمرضى في هذه المنطقة المريضة بكل شيء.
أزمة العلاج بالخارج والتي لا يكاد حديث في غزة يخلو منها باعتبارها المأساة اليومية، يتبدى فيها قدر التنكيل الذي يمارسه الاسرائيلي للذين يتقدمون للعلاج ويصل الأمر بالمرضى لاتهام وزارة الشئون المدنية بعدم الضغط بما يكفي على اسرائيل التي تتلاعب بهم دون أدنى ضمير.
فالعلاج بالخارج يحتاج الى الحصول على تحويلة طبية، ثم الحصول على تغطية مالية، ومن ثم اجراء ثالث وهو الحصول على حجز في المستشفى، وعندما يجتاز المريض كل تلك الاجراءات المعقدة، يتقدم قبل حجز المستشفى بأسبوع للحصول على تصريح للسفر عبر معبر ايرز، من بين عشرات الحالات التي تتقدم للحصول على التصريح لا يحصل عليه إلا عدد قليل، أما الأغلب فيعلق الاسرائيلي موافقته متلاعباً بأعصابهم، ولا يرد سلباً أو ايجاباً، فقط يتلقى المرضى المعذبون رسالة بأن الأمر قيد الفحص.
ماذا تفحص اسرائيل لمريض قلب أو سرطان؟ وأية انسانية يمكن وصفها أمام هذه المسألة ؟ هناك نماذج كثيرة تكشف طبيعة التنكيل المتعمد الذي يمارسه الاسرائيلي، والغريب أن الطرف الفلسطيني لم يضع حداً لهذا التنكيل!!
سفيان شاهين مصاب بالسرطان في العقد السابع، وبعد معاناة الحصول على تصاريح تقرر اعطاءه عدة جرعات كيماوية في مستشفى المقاصد، وبعد أربع جرعات عندما جاء موعد الجرعة الخامسة بداية شهر ديسمبر الحالي كان الرد أن التصريح تحت الفحص ليمر الموعد دون أن يتلقى الجرعة المطلوبة.
أما "رجاء" ابنة الثانية والعشرين وهي أم لطفلين، اكتشف الأطباء أن لديها مشكلة في الغدة، ذهبت الى اسرائيل 4 مرات وفي احداهن مكثت لمدة شهر في مستشفى بمنطقة كفار سابا، حجزت في ديسمبر للمستشفى وقد مر حجزها دون تصريح، حيث كان الرد أن تصريحها قيد الفحص الأمني فماذا يفحص الأمن الاسرائيلي في هذه الحالة؟ الأمر واضح وهو تباطؤ متعمد للاجراءات وليموت الناس هنا في غزة، المهم أن صورة اسرائيل الانسانية في العالم لا تعكرها تلك الممارسات؛ لأن اعلامنا قاصر عن نقل هذه المأساة إلى العالم.
عمر عوض الله شاب في الأربعينيات لديه أزمة في الشرايين قام بكل اجراءات التحويلة الطبية والتغطية وحجز المستشفى ولقد فعل ذلك ثلاث مرات وفي كل مرة ينتظر التصريح الذي لم يصدر ولم يأته الرد سوى أنه تحت الفحص فيمر موعد الحجز وينتهي مفعول التحويلة ليبدأ برحلة الاجراءات من جديد وهكذا.
عشرات وربما مئات الحالات المرضية لديها قصص وروايات عن العذاب الذي يتلقونه، في الحصول على تحويلة طبية يعد من رابع المستحيلات ويتهم المواطنون هنا في غزة مدير عام التحويلات أميرة الهندي بتضييق الأمر الى أبعد الحدود ومن يحصل عليها يصطدم بتلكؤ اسرائيلي وهنا يتساءل أقارب االمرضى عمن تمكن من الحصول على تصاريح لأعضاء مؤتمر حركة فتح من غزة وهم مناضلين وبعضهم قاتل في بيروت بالسلاح وبعضهم أسرى منذ الانتفاضة الأولى أو مشارك بالانتفاضة الثانية كيف تمكنت الشئون المدنية من استخراج تصاريحهم في الوقت الذي لم تتمكن من حل أزمة تصاريح مرضى بالكاد قادرين على السير على أقدامهم؟
هذه المسألة بحاجة الى حل حتى لو أدى الأمر الى نقلها للمؤسسات الدولية ذات مرة منعت اسرائيل لاعبين من غزة بالسفر عبر المعبر وقد قدمت شكوى للجنة الأولمبية الدولية التي أرغمت اسرائيل على الكف عن هذا العمل، يمكن أخذ هذا النموذج وتقديم شكوى لمنظمة الصحة العالمية أو للأمم المتحدة هناك تنكيل متعمد للمرضى وتعذيب مضاعف يجري يومياً لهؤلاء المساكين وهم آخر من يشكل خطراً على الأمن الاسرائيلي .؟
تربط اسرائيل بين التنسيق الأمني والتنسيق المدني والأولى أن يربط الفلسطيني بين المسألتين فالتنسيق المدني والمرضى أولا واذا استمرت اسرائيل بهذا التباطؤ يجب وضع تلك القضية على مكتب الرئيس وعلى طاولة الحكومة أما أن تستمر هذه المعاناة التي بدأت منذ سنوات دون أن يحرك أحد ساكناً هذا يعني قبولنا بها وهذا ما لا يمكن فهمه فلسطينياً يجب وضع حد لهذه المأساة ويمكن للفلسطينيين أن يفعلوا اذا وضعوها أولوية وهي كذلك .
المقال يعبر عن رأي كاتبة