غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر المعركة المستمرة والحلقة المفقودة في اتفاق "النصر"

بقلم/ أحمد ابو عقلين*

يتباهي القادة السياسيون والعسكريون في إسرائيل بما يسمونه "نصرا كبيرا" على المقاومة في غزة، في وقت لا زالت تفاصيل اتفاق التهدئة التي أفضت إلى وقف لإطلاق النار الأسبوع الماضي طي الكتمان، ولم يضطلع عليها الجمهور في كلا الجانبين.

ففي الوقت الذي يتحدث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن توجيه ضربة لحركة حماس لم تتلق مثلها منذ تأسيسها، ويدعي وزير الجيش يعلون بأن حماس رضخت ولم تحقق أي إنجاز، ويخرج ليبرمان بالاعتراف بأن إسرائيل أضاعت فرصة ذهبية لإسقاط حماس، لا زال الفلسطينيون يحتفلون في قطاع غزة بـ"الانتصار الكبير"، ويخرج قادة حركة حماس بتصريحات تؤكد تحقيق مطالب المقاومة خلال جولات الحوار في القاهرة بعد 50 يوم من القتال قتل خلالها 2200 فلسطيني وأصيب أكثر من عشرة آلاف ودمرت البنية التحتية والاقتصادية للقطاع المحاصر.

المشهد في غزة عقب الإعلان عن وقف إطلاق النار أوحى للعالم أن غزة قد حققت انتصارا مؤزرا على أقوى جيش الشرق الأوسط التي يمكنها أن تسقط برجا سكنيا مكونا من 14 طابقا بمساحة 700 متر مربع خلال 5 ثوان فقط، وخرج المواطنون بعشرات الآلاف يحتفلون في الشوارع ويطلقون الرصاص ويوزعون الحلوى ابتهاجا بالنصر.

وفي المقابل وفي ذات التوقيت كان الإسرائيليون يتظاهرون ضد حكومتهم بسبب فشلها في تحقيق الأمن لهم، وعجزها عن وقف الصواريخ وقذائف الهاون التي ظلت حتى الثواني الأخيرة قبل إعلان التهدئة تنهمر على المستوطنات والمدن الإسرائيلية، بل وقتلت تلك القذائف قبل لحظات من وقف النار ثلاثة جنود إسرائيليين في منطقة أشكول، وأصابت العشرات في عسقلان واسدود.

الفلسطينيون المشردون من المناطق الحدودية منذ بداية العدوان البري عادوا إلى مساكنهم بمجرد إعلان التهدئة وبدأوا بترميم بيوتهم وتفقد آثار الدمار، بينما المستوطنون الذين يقيمون في غلاف غزة لا زالوا هاربين في مدن الوسط والشمال، لأنهم لا يطيقون العيش وسط تهديد الهاجس النفسي، وسماع أصوات الحفر تحت بيوتهم-بحسب ما يقولون-، فهم كانوا يأملون من جيشهم أن يقضي تماما على المقاومة ولا يبقي لها عرق ينبض.

نتنياهو يبرر أقواله بانتصار جيشه على المقاومة بضرب الأنفاق الهجومية وتدمير مخازن الصواريخ وأماكن الإطلاق وقتل عشرات المقاومين وإعادة غزة عشرات السنين إلى الوراء، وفي هذا تفصيل ورد، إذ أن نتنياهو لا يملك أي تأكيد بالقضاء تماما على الأنفاق الممتدة داخل المستوطنات وأسفل المواقع العسكرية، لأن جيشه كان يخشى عقب اغتيال قادة القسام، رائد العطار ومحمد أبو شمالة ومحمد برهوم، من عملية تنفذها الكتائب المقاومة بواسطة نفق لم يتم اكتشافه، وهذا يبدد أوهام قادة الاحتلال بالقضاء على الأنفاق. ثم إن الأنفاق الني تم تدميرها قد استنفذت أصلا مهامها وأصبحت "محروقة" بعد أن أثخنت في جنود "جولاني" قتلا وجرحا وخطفا، ولم تعد ذات قيمة بعد أن خرج منها المقاتلون وحققوا أهدافهم.

أما عن تدمير مخازن الصواريخ، بحسب المزاعم الإسرائيلية، فإن غزة لا يوجد فيها مخازن صواريخ تحت الأعين، ولا ورش تصنيع مشاهدة للعيان، وإن كانت الطائرات الإسرائيلية قد أصابت خلال الحرب بعض المنصات وبعض القذائف المعدة للإطلاق. والمتابع لسير المعركة كان يرى أن صواريخ المقاومة كانت تنطلق من نفس المكان الذي يتم قصفه بعد دقائق من الإغارة عليه، وهذا دليل على فشل الغارات الجوية في القضاء على الصواريخ، وشاهد الجميع مؤخرا الأهداف التي كانت تغير عليها المقاتلات، من بيوت مدنية ومساجد للعبادة ومستشفيات ومدارس ومصانع بسكويت وأبراج سكنية وأراض زراعية، ورغم ذلك لم يثبت مرة واحدة أن هدفا كان يحوي مخازن سلاح.

وحول ما يتعلق بإضعاف المقاومة وضرب حركة حماس، يرد عليه المد الجماهيري غير المسبوق الذي خرج محتفلا بالانتصار ليلة التهدئة، وقد رأينا كل أطياف الشعب الفلسطيني تهتف للمقاومة ولكتائب القسام ولسرايا القدس، الفتحاوي والجبهاوي والنصراني والجميع توحدوا على شعارات تثني على المقاومة وتبارك لها عملها ومجهودها، بما يؤكد أن الحرب زادت الالتفاف الجماهيري حول المقاومة.

ولكن لماذا وافق الطرفان على وقف النار دون الإعلان عن فحوى الاتفاق؟ وهل من الممكن تجدد الحرب خلال الأيام المقبلة؟

الواضح أن الحرب أثخنت في الطرفين، لا شك في ذلك، وكان لا بد من صيغة تنهي هذه الجولة من القتال، وفور توفر الصيغة المناسبة سارع الجانبان للموافقة عليها، وإعلان وقف النار.

سبق الاتفاق اتصالات مكثفة من أطراف عديدة، وهرولة إسرائيلية نحو القاهرة وغيرها من الدول، وإرسال عباس إلى قطر حيث التقى هناك بخالد مشعل، ثم غادر للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شريك إسرائيل في العدوان على غزة، فيما بدا أنه طبخة جديدة ومؤامرة استكمالية لإجهاض مشروع المقاومة في غزة بعد أن أجهضته بنادق وقنابل وبساطير محمود عباس في الضفة الغربية. ولعل ما أصاب الإسرائيليين قبل أيام من التهدئة والضغوط الهائلة التي سببتها مقذوفات الهاون على مستوطنات غلاف غزة واشتداد الضربات الصاروخية تجاه مدن المركز، تل أبيب وغوش دان ومطار بن غوريون، وعدم انقشاع الغيمة الرابضة فوق سماء دولة الاحتلال، لتأذن بإعلان الانتصار، ساهمت في تسريع إنهاء المعركة من الجانب الإسرائيلي، إلى جانب الوضع السياسي المحرج الذي وقع فيه نتنياهو، خاصة وأن عددا من وزراء الكابنيت كانوا قد قاطعوا الحديث معه، وكثر منتقدوه، وبرزت المعارضة تنادي بانتخابات مبكرة، وتعالت الاتهامات بالفشل لحكومة الاحتلال، وعلا صوت شاؤول موفاز الذي كان خافتا حتى وقت قريب، وبدأ سن السكاكين تحضيرا لذبح "بيبي" الرجل الأضعف في هذا التوقيت.

وفي الجانب الفلسطيني، برزت تطورات ميدانية لم تكن في الحسبان حتمت على الجميع إنهاء المعركة، وإبداء مرونة في التفاوض حول وقف النار، تمثلت في قصف الطائرات الإسرائيلية لعدد من الأبراج السكنية، التي تؤوي عشرات الأسر، وتهديد أخرى، حيث أن كل برج يؤوي ما يزيد عن 50 أسرة، بما يمثل حيا كاملا كلهم سينتهي بهم الحال مشردين إلى مراكز الإيواء وبعض بيوت الأقارب إن وجدت.

السؤال الآخر، هل الظروف توحي بأن الحرب قد تعود قريبا؟

الواضح أن غزة لا زالت تعيش أجواء الحرب، فطائرات الاستطلاع لا زالت تحلق بكثافتها لا تفارق الأجواء، تماما كما حصل عند اختراق التهدئة لاغتيال القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، ولا يوجد حديث عن اتفاق سياسي شامل أو تحقيق ولو جزء من مطالب المقاومة، فالجانبان لا زالا يخفيان تفاصيل ما تم الاتفاق عليه في القاهرة.

إلى جانب ذلك، أبدى بعض المراقبين خشية زائدة من خدعة جديدة متفق عليها بين الأطراف المساندة لإسرائيل في عدوانها، مثل السعودية ومصر والسلطة الفلسطينية، تقوم إسرائيل بموجبها بالعودة للضربات الجوية خلال شهر، ويساعدها حلفاؤها في عزل الدور القطري والدور التركي، وتستفيد إسرائيل خلال هذا الشهر في تفتيت وتذويب الرأي العام المضاد لها الذي تشكل خلال العدوان، فتظهر بعد انقضاء الشهر وكأنها بدأت عملية عسكرية جديدة بأهداف مختلفة، ويساعدها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في إجهاض أي جهد للتحرك ضدها في المحافل الدولية، كون السلطة هي الجهة المخولة بالحديث نيابة عن الشعب الفلسطيني في بعض الدول التي تربطها علاقات مع "دولة فلسطين".

ومن يضمن أيضا ماذا سيحدث لو أطلق صاروخ من غزة خلال هذا الشهر؟ هل سيكون هذا مبررا لشن هجمات جديدة؟

من المؤكد أن حلفاء إسرائيل الجدد لا زالوا يعولون على الوقت للقضاء على المقاومة وإزاحة حركة حماس من طريق الأنظمة التي لا تؤمن بوجود الإسلاميين والتنظيمات المسلحة، وإسرائيل التقطت الفرصة، وتعلم أن التاريخ والمستقبل قد لا يكرر لها هذه الفرصة، فالأنظمة قد تتغير وتتبدل، والظروف الإقليمية التي تقف اليوم في صف إسرائيل قد لا تكون هي نفسها العام القادم أو الذي بعده، وهذا مؤشر آخر على إمكانية تجدد المعركة العسكرية وبقوة أكبر.

وفي الختام تبقى حلقة مفقودة من السلسلة، ما هي الورقة الخفية وغير المعلنة التي تمتلكها المقاومة وتعول عليها لإجبار إسرائيل على تحقيق مطالبها والإذعان لها؟ قد نرى ونسمع خلال أيام!!

*كاتب صحفي   

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".