المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم / هاني حبيب
حالة هذيان غير مسبوقة في إسرائيل.. جنون العظمة الذي أصاب رئيس حكومتها ليس دليلاً على هذه العظمة بقدر ما يشير إلى عدم التوازن السياسي إن لم يكن العقلي، حالة من الطيش السياسي والقرارات الناتجة عن ردود الفعل لا تعني إلاّ أن المؤسسة الحاكمة في الدولة العبرية لم تعد قادرة على الاحتكام إلى التروي، إسرائيل في مواجهة العالم، ها هي النتيجة الموجزة جداً، لقرار مجلس الأمن 2334، مع أن العودة إلى وثائق الأمم المتحدة تشير إلى قرارات مشابهة إلى حد بعيد قد صدرت عن مجلس الأمن في السابق، غير أن ما يميز القرار الأخير الظروف المحيطة بإصداره، ما يحيط بمدى خطورة هذا القرار في ظل البيئة السياسية الراهنة، ولعلّ هذا هو سبب حالة الجنون والإرباك التي أصابت نتنياهو بالجنون والهوس!
وباختصار، أيضاً، من الممكن، بل يجب أن يتحول هذا القرار إلى وثيقة إدانة شاملة للاحتلال الإسرائيلي، وثيقة لمحاكمة الدولة العبرية وإصدار حكم على دولة إرهابية مارقة، لا تحتل الأرض الفلسطينية فقط، بل ترفع سيفها على كل الأرض من خلال إعلاناته الصفيقة عن عدم التزامها بهذا القرار، وعدم احترامها للقانون الدولي، نتنياهو وضع نفسه من خلال لوثة جنون في تحد سافر لحلفائه وأصدقائه قبل أعدائه وخصومه. صحيح أن القرار لا يلبي المتطلبات الفلسطينية تماماً، إلاّ أن ذلك هو جزء من اللعبة السياسية، وهنا إذا كان هذا القرار هو محل انتقاد من البعض ـ وهذا ليس بالأمر الخطأ ـ إلاّ أنه على الجانب الآخر، يعيد القضية الفلسطينية عموماً، ومسألة الاحتلال، وفي الجوهر منها العملية الاستيطانية إلى بؤرة الاهتمام الدولي الذي غاب عن هذه القضية بفعل أولويات الاهتمام بتداعيات "الربيع العربي" في وقت تراجع فيه الاحتضان العربي والإقليمي والدولي لقضيتنا الوطنية، عادت القضية الفلسطينية لتأخذ مكانتها كأولوية لكل هذه المجالات، ولم يكن ذلك ليحدث لولا تلك الظروف التي أحاطت بإصدار مجلس الأمن قراره المذكور.
تخلى نص القرار عن وضع آلية تنفيذ بتوقيت زمني، ما يضع على كاهل القيادة الفلسطينية عبئاً إضافياً وهي تستثمره بهدف وضعه موضع التنفيذ، وهناك فرصة فريدة لاقتناص عقد مؤتمر باريس بعد أسبوعين بحضور ممثلي حوالى 70 دولة، بهدف تكرار مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان والانسحاب إلى حدود العام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وذلك في إطار زمني محدد وبمرجعية القرارات الدولية وعلى الأخصّ القرار الأخير. وإذا كان هناك الكثير من اللغط حول الموقف الأميركي المحتمل في هذا المؤتمر من خلال كلمة وزير الخارجية جون كيري، فإنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة في وارد توجيه ضربة سياسية لإسرائيل كما يعتقد ويرغب البعض، وعلى الأرجح أن هذا الخطاب سيعيد تبني قرار 2334، إلاّ أنه من المتوقع أن يشير الى حل سياسي بمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ـ تهرباً من مضمون القرار الأخير الذي يعيد للأمم المتحدة دورها ـ وعلى الأغلب أن كيري سيطالب الفلسطينيين والعرب بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية، وهو الأمر المرفوض بشكل مطلق من القيادة الفلسطينية.
البعض ظن أن هناك تغيراً جوهرياً إزاء السياسة الأميركية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي من خلال الامتناع عن التصويت لتمرير القرار الأخير في مجلس الأمن، وأعتقد أن ذلك يعكس قراءة خاطئة لطبيعة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، خاصة وأننا أمام سياسة سيمارسها الرئيس المنتخب ترامب، تصب بشكل أكثر وضوحاً من أي رئيس آخر لصالح الدولة العبرية، أحد أبعادها، الانتقام من امتناع الإدارة "السابقة" عن التصويت في مجلس الأمن. والبعض يعتقد أن هناك فرصة لاستغلالها، لضربة أخرى بقرار آخر في مجلس الأمن، إذ يظن هذا البعض أن امتناع واشنطن عن التصويت سيتكرر من جديد، هذا البعض يتجاهل، أيضاً، حقيقة أن دولاً غير دائمة العضوية، صديقة للشعب الفلسطيني ستغادر عضوية المجلس في 31/12/2016، وان أي قرار صادر عن مجلس الأمن يحتاج إلى تسعة أصوات "نعم" من بينها الدول الخمس دائمة العضوية وان دولاً خمسا أخرى، ستبدأ عضويتها كبديل، هي: السويد وبوليفيا واثيوبيا وكازاخستان التي زارها نتنياهو قبل شهر، وهولندا أو إيطاليا، وستنسحب الدول الخمس: إسبانيا وماليزيا ونيوزيلندا وأنغولا وفنزويلا، وهي الدول التي صوّتت لصالح القرار.
أي قرار، مهما كانت قوة بنوده واصطفافه الكامل مع الحق الفلسطيني، لن تكون له أية قيمة عملية إذا لم نحسن استثماره، العبرة ليست بالنصوص ـ على أهميتها، بقدر تمكننا من وضع الآليات والسياسات التي تحيله إلى واقع، والأمور نسبية في كل الأحوال، وفي ظل ميزان القوى المائل لصالح الاحتلال، فإن تسجيل نقاط هنا وأخرى هناك، من شأنه أن يقرّبنا من ساعة الخلاص من الاحتلال!! -