شمس نيوز/ توفيق المصري
يتجول المواطن نبيل البراوي (38 عاماً) الأب لأربعة أطفال، داخل أسواق قطاع غزة؛ بحثاً عن سرير لطفله الذي سيستقبله بعد أشهر قليلة، وقد راعى البراوي مسبقاً أوضاعه الاقتصادية التي لا تسمح له بشراء سرير فاخر.
وقبل أن تضع زوجته حملها، خطط البراوي لتجهيز سريراً لطفله، فعمل على الاقتطاع من دخله على مدار أشهر سابقة؛ ليقوم بادخار ثمن السرير، وأمام أحد المحال التجارية التي تبيع الأثاث المستخدم والشعبية في "شارع الصحابة" غربي مدينة غزة، وقف البراوي وعيونه تسترسل النظر نحو سرير يتمنى امتلاكه.
يقول البراوي لـ"شمس نيوز" وهو يتابع النظر: "أعرف منذ أكثر من عشرين عاماً أن هذا السوق سوق شعبي، ما دفعني للمجيْ هنا؛ فالأسعار منخفضة، وأنا لا أتقاضى راتبا مناسبا لأقوم بشراء أنواعاً فاخرة، أنا لا أُحصل سوى 600 شيقلاً شهرياً، وأسعى لشراء سرير لابني، وهنا قد لا يصل سعر سرير الطفل 200 شيقلاً".
وتابع البراوي، في شرح الطقوس التي اتبعها لشراء السرير قائلاً: "عملت على الاقتطاع من دخلي وقمت "بالتحويش" على مدار أشهر سابقة ما بين 30 إلى 50 شيقلاً شهرياً، ولأن هناك التزامات أخرى لأبنائي الأربعة من مصروفات مدارس وروضات، ودفع أجرة بيت ".
بيت العمر
أما طلال كسكين "أبو هاني" (61عاماً) الذي يعمل في مجال الصيد، ولديه ابنان يسعى لتجهيز بيتهما ليقوم بتزويجهما، ولديه أيضاً ابن مصاب بمرض السرطان، فيقول: أعمل في مجال الصيد وفي ظل تقليص الاحتلال لمساحات الصيد، فإننا أصبحنا كصيادين لا نعمل، وإذا خرجنا للصيد عدنا "ببياض اليد"، وما نصيده بالكاد لا يكفي لسد احتياجات الأسرة ".
ويتابع: "لديَّ اثنان من الأبناء تجاوز أعمارهما الثلاثين، وغير قادرين على تجهيز بيوتهما، وهذا ما دفعني للبحث لهما عن أثاث بسعر يناسب أوضاعنا الاقتصادية وما ادخرته لهما".
وأضاف: أنه وجد ضالته في "شارع الصحابة "، فمنه يمكن أن يجهز بيت العمر لابن من أبناءه بمقابل 5 آلاف شيقلاً، عبارة عن غرفة نوم كاملة بالإضافة لطقم كنب وطاولة سفرة.
وأشار كسكين، إلى أنه ليس بمقدوره التوجه للمحلات والمعارض التي تبيع الأثاث الفاخر والمستورد؛ لكون أن ما يُحصله لا يكفي لسد احتياجات أسرته، ولعلاج ابنه المريض بالسرطان.
"الأسعار هنا متفاوتة لكنها تبقى في متناول الجميع؛ فهذا سوق شعبي، ووجود هذا السوق هو نتيجة طبيعية للمستوى الاقتصادي المتردي في القطاع، والناس التي مستواها جيد تلجأ للمحلات الفاخرة وهذه فئة قليلة".. هذا ما قاله أبو نادر الحلو (51 عاماً) وهو صاحب محال ومعارض في شارع الصحابة بغزة.
توقف الحلو عن إكمال حديثه ليلتقط عريس وعروسة يسعيان لتجهيز بيت العمر من غرفة نوم وطقم كنب، وتابع بعدما قدم لهما أسعار الأثاث لديه، بالقول إن "هذا السوق يشهد إقبالاً؛ لأن الأسعار في متناول اليد".
ولفت أن سعر طقم الكنب الجديد لديه من 1300 شيقلاً إلى 1500 شيقلاً كحد أقصى، وهو أثاث شعبي لكن جودته أقل من المستورد والصناعات الفاخرة "كما وصفه"، وسعر غرفة النوم لديه لا يتجاوز 2500 شيقلاً.
الحال من بعضه
وعن المعيقات التي تواجه عمله يقول الحلو: "قلة المادة في أيدي الناس، وارتفاع أسعار الأخشاب، وأزمة الكهرباء مشاكل تؤرقنا، ولو أردت العمل في أخشاب ذات نوعية ممتازة فإنها لا تباع وتبقى مركونة؛ لارتفاع سعرها، فأقوم بصناعة ما سعره مناسب للجمهور، كما وأعمل في الأثاث المستخدم أيضاً".
وأوضح أن مربحه لا يتعدى 50 أو 100 شيقلاً في كل قطعة أثاث يبيعها، مضيفا: "الخزانة مثلاً بتربح 10 شواقل فقط، وغرفة النوم أربح فيها 50 شيقلاً، وأنا أعمل أنا وابني هنا من أجل أن نعيش".
أما ياسر مدوخ (38 عاماً) والذي يعمل في صناعة الأثاث الشعبي منذ 22 عاماً في الشارع نفسه، فيكتفي بمربح يومي له لا يتعدى 30 أو 40 شيقلاً، مقابل مساندته لأبناء شعبه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
يقول مدوخ: " املك منجرة، أقوم فيها بتصنيع الأثاث الشعبي، وارتأيت تصنيع منتجات تناسب أوضاع السكان، ومساندة مني لأوضاع الشعب".
ولا يسعى مدوخ من دخله اليومي في منجرته سوى توفير لقمة عيش كريمة له ولأسرته المكونة من 9 أفراد، و ل 5 عمال لديه، ولإخوته الثلاثة الذين يشاركونه العمل.
وهناك عروض
وبالرغم من ملائمة الأسعار في هذا الشارع مع الجمهور إلا أن الباعة يقومون بإطلاق عروض وحملات لتشجيع الناس على الشراء.
يوضح مدوخ: "طقم النوم عندي سعره 1500 شيقلاً واصل لبيت الزبون تليفزيون ومكواة "هدية" ، وأقل طقم نوم شعبي عندي سعره 1500 شيقلاً، والأثاث المكتبي يبدأ سعره من 120 شيقلاً إلى 600 شيقلاً، وهناك من الزبائن من يقول "أنا لا أريد قطعة جديدة، ولديَّ قطعة مستخدمة أريد بيعها"، فأقوم بشرائها؛ فهناك أُناس تبحث عن الأثاث المستخدم، لرخص ثمنه".
"أتتني امرأة صباحاً تريد طقم مستعمل، وهي من الناس "الغلابا" وبيتها مهدوم وتسكن في بيت من الزينكو، وأوضاعها تحزن القلب".. كما يقول محمود حمدان (23 عاماً) وهو مختص في بيع الأثاث المستخدم "المستعمل".
ويضيف: "احنا أبو الغلابا، حيث تأتينا الناس التي تهدمت بيوتها وأهالي الشهداء ومن مصدرها متدني ومن يقيمون في المخيمات، ويأتوا لشراء الأثاث المستخدم والشعبي من هذا الشارع؛ لرخص الثمن، ".
ليس شعبيا
بدوره أوضح مدير عام ديوان رئاسة بلدية غزة المهندس حاتم الشيخ خليل أن آلية اعتماد مهن تمنح لأصحاب المحلات في شارع الصحابة، والتي تتنوع بين محال لصناعة الأثاث الشعبي، وبين محلات ومعارض، مؤكدا أن شارع الصحابة غير مصنف في مخططات البلدية بأنه سوق شعبي.
وقال الشيخ خليل: "هذا الشارع مصنف محلات تجارية يضع فيها التجار البضائع وقد يفتحها أصحابها للبيع، وليس سوقاً شعبياً كما سوق فراس أو سوق السمك في المدينة"، لافتا أن الحديث حول كونه سوقاً شعبياً أنه حديث بين المواطنين.
ورغم أن شارع الصحابة غربي مدينة غزة والذي يبلغ طوله نحو 1 كيلو متر، لم يكن ضمن مخططات بلدية غزة سوقاً شعبياً، لكنه عرف بين أهالي القطاع التي ترتاده من شمال القطاع حتى جنوبه أنه "سوق الصحابة للأثاث الشعبي والمستخدم".