بقلم / د. عبد المجيد سويلم
يرى نفتالي بينيت أن خطته للاستيلاء المباشر على أكثر من نصف الضفة الغربية بعد ضم المستوطنات والمنطقة (C) أن الشعب الفلسطيني «سينعم» بالرخاء والأمن والأمان بل هو حرٌّ طليق في حركته وتجارته وكل ما يرغب فيه، حتى أن له رصيفاً كاملاً في ميناء حيفا يتصرف به كما يشاء باستثناء الإشراف الأمني ـ بطبيعة الحال ـ، أما العمل والبطالة وغيرهما من مستلزمات المعيشة الحرة والكريمة فهذه أشياء ستكون حسب بينيت في متناول اليد.
يراهن بينيت بدعم كامل ـ من تحت الطاولة ـ ومساندة نتنياهو وليبرمان وباقي «فصائل» اليمين الديني القومي المتطرف في إسرائيل، بل وربما يراهن على قبول أميركي لهذه الأطروحات وتعايش عربي ـ من ثم فلسطيني ـ معها، ناهيكم طبعاً عن مراهنته على «إحجام» الوسط و»اليسار» عن الوقوف ضد هذه الخطة إذا لم يجد من ينبري من بين هذه الأوساط من يدافع عنها ويزكيها أو يصمت عنها وعن ما يمكن أن تفضي إليه.
خطة بينيت لا تصل في أقصى حدودها إلى حكم ذاتي مقلص أو منزوع الصلاحيات على أقل من نصف الضفة بدون أية صلاحيات تختلف عن صلاحيات بلدية تحت الاحتلال.
جوهر الرؤية الإسرائيلية لا يختلف عما يطرحه بينيت إلاّ في تفاصيل الإخراج أو في بعض التفاصيل الثانوية من حيث:
القدس لا مجال للحديث عنها، أما حق العودة فخارج النقاش وحرية التنقل ليست متوفرة إلاّ ما بين التجمعات السكانية (حسب الظروف الأمنية).
هذا هو كل شيء ولا شيء غيره.
المهم في الأمر هو أن بينيت يعتبر أن ما يقدمه لنا يشكل مرحلة تاريخية «نادرة» قد لا يتكرر «الكرم» الإسرائيلي بمثلها، وأن على الشعب الفلسطيني أن يستبدل حقوقه وأهدافه التي يوافق أكثر من 98% من سكان الأرض عليها بهذه «الخطة» العبقرية»!!!
إذا كان هذا هو جوهر الخطة وجوهر المخطط فإن الجانب الفلسطيني ليس مطالباً بالرد عليها بخطاب إدانة واستنكار وإنما بخطاب سياسي فعال وبعزيمة سياسية جديدة ومتجددة.
لاحظوا أن خطة بينيت لا تتحدث عن قطاع غزة ولا عن التواصل معها ولا حديث إطلاقاً عن وحدة الأراضي الفلسطينية بين غزة والضفة!!! لماذا يا تُرى!!؟
يعلم قادة اليمين المتطرف في إسرائيل أن الوحدة الجغرافية بين الضفة وغزة مستحيلة جغرافياً بدون موافقة إسرائيلية، ما يعني بأن الانفصال قائم في الواقع، أما الوحدة السياسية فهي بيد حركة «حماس»، ولذلك فالانفصال السياسي قائم في الواقع، ولهذا فإن هذه «الوحدة» متعذّرة إلاّ من خلال صيغة كصيغة الفيدرالية التي تقترحها «حماس»، وهو ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل مقابل تكريس هذه الوحدة في هيئة سياسية لا حول لها ولا قوة، وهي ليست من الناحية العملية «استقلالية» باقي الضفة كإقليم (من الناحية النظرية) وبين غزة كإقليم محاصر ومستقل (من الناحية النظرية أيضاً) ولذلك فإن خطة بينيت تبدو في حالة من «التوافق» مع أطروحة الفيدرالية وغير متناقضة معها على الإطلاق.
على كل حال، على الحالة الفلسطينية الوطنية وأد فكرة الفيدرالية بسرعة لقطع الطريق على المناورة الإسرائيلية من جهة ولقطع الطريق على أنصار الانفصال عن الوطن الفلسطيني من جهة أخرى.
لكن الأهم من هذا وذاك (رغم أهمية هذا الوأد السريع) هو أن يتم الرد على مبادرة بينيت بمبادرة فلسطينية مقابلة.
لكن قبل الدخول إلى الرد الفلسطيني نحن نحتاج إلى التنسيق التام وغير الملتبس مع المحيط القومي العربي ثم الإقليمي الإسلامي والدولي بطبيعة الحال.
إذا حصلنا على توافق مع البلدان العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز والاتحاد الأوروبي فإننا سنتمكن من الوأد السياسي لخطة بينيت وتكامل الرؤى الإسرائيلية للحل.
ويجب أن يكون لدينا للعرب السؤال التالي:
هل أنتم على استعداد لتجميد اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وكافة أشكال العلاقات القائمة بين البلدان العربية وإسرائيل في حال أن باشرت إسرائيل بضم أية مستوطنة صغيرة كانت أم كبيرة من القدس أو خارجها حتى يتم تجميد «أوسلو» وسحب وثيقة الاعتراف المتبادل مع إسرائيل!!!ّ؟
إذا كان الجواب نعم فإن خطة بينيت ستموت قبل أن تولد. أما إذا كان الجواب لا فإن الجانب الفلسطيني مطالب بالإقدام على هذه الخطوة وترك «أمر» الموقف العربي للتطورات اللاحقة دون إبداء أي تناقض أو مناكفة مع أي طرف عربي، وخصوصاً الشقيقة الكبرى مصر والشقيقة الخاصة الأردن، لأن العرب ما زال لديهم «آمال» أن لا يكون ترامب بهذا السوء وأن لا ينجر بصورة سافرة للمواقف الإسرائيلية العنصرية والمتطرفة.
في هذه الحالة نطالب العرب جميعاً بتأجيل خطوات المقاطعة السياسية التامة بما في ذلك تجميد الاتفاقيات والعلاقات إلى مرحلة جديدة، وفي حال ان أقدمت إسرائيل على اتخاذ خطوات تتعلق بالترحيل أو إعادة احتلال الضفة أو أي إجراء منها كرد على سحب الاعتراف المتبادل وتجميد العمل باتفاقيات أوسلو يقوم العرب بكل ما هو مطلوب وبكل ما يلزم.
تبقى المنظمة هي الأساس الذي يتصدى للخطوة الإسرائيلية، ولذلك فإن الإسراع في عقد المجلس الوطني يصبح ملحاً وإعادة ترتيب المنظمة، تصبح البند الأول على جدول الأعمال، لأن السلطة قد تواجه خطر التحجيم الكبير، هذا إذا لم نقل أكبر وأكثر منذ لك.
إذا تعذّر كل ذلك مع العرب والمسلمين علينا أن «نؤجّل» الرد إلى ظروف لاحقة لا محالة، ولكن هذه الخطة هي الخطة الفلسطينية الرئيسية لمواجهة خطة بينيت.
لا مجال للحديث عن الصمود، ذلك أن هذا الصمود هو العمود الفقري لكل الخطط ولكل التوجهات.
على العموم فإن محاصرة خطة بينيت سياسياً تبقى خياراً مطروحاً في كل مكان وفي كل مجال، وتقديم قادة إسرائيل لمؤسسات القانون الدولي والحصول على عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة يظل قائماً ومستمراً، ذلك أن هذه السياسات والتوجهات ليست مرتبطة بأية ردود أفعال على السياسة الإسرائيلية، وإنما هي حق وواجب في كل الأحوال وبغض النظر عن أية أحوال أو أفعال.