شمس نيوز / عبدالله عبيد
"شهيد.. إسعاف.. برج الظافر.. برج الباشا.. صاروخ زنانة.. صاروخ أم 75.. الجندي المخطوف" مسميات جديدة صبغت بها الحرب على قطاع غزة ألعاب الأطفال، وأصبحت تجري على ألسنتهم بكرة وعشيا، ليعبروا عما يجول في خواطرهم من حال بعد أن عاشوا 50 يوما من التصعيد الإسرائيلي وعانوا الخوف والتشريد والجراح تماما كما عانى الكبار تماما.
وبرجا الظافر والباشا وسط مدينة غزة تعرضا لقصف إسرائيلي في الأيام الأخيرة للحرب قبل نحو ثلاثة أسابيع، مما أدى لتدميرهما وتسويتهما في الأرض، واستخدمت إسرائيل في ذلك صواريخ ومتفجرات بكميات هائلة وبنوعيات جديدة.
وكثيرا ما ترددت مصطلحات الحرب على آذان الأطفال في غزة، فصاروخ الزنانة كانت تطلقه الطائرات الإسرائيلية المقاتلة بدون طيار قبيل تدمير المنازل والمساجد والمنشئات بطائرات الإف 16، وصاروخ أم 75 هو الصاروخ الذي استخدمته المقاومة الفلسطينية في قصف تل أبيب والقدس، إلى جانب كثير من الكلمات التي حفظها أطفال عاش بعضهم أجواء العدوان للمرة الثالثة في حياتهم القصيرة.
أسماء جديدة
ولم تعد تعجب الطفل "أنس أحمد" 7 سنوات، وشقيقته "حلا" 4 سنوات، الأسماء القديمة التي كانا يطلقانها على الأشكال الهندسية البسيطة التي يشكلانها بالمكعبات البلاستيكية، فقبل الحرب كانا يصنعان ملعقة وطبق طعام وإبريق شاي وسكينا، والآن تحولت المصنوعات الطفولية إلى "برج وطائرة وشهيد ودبابة وصاروخ"، تماشيا مع الظروف الجديدة التي طرأت بعد العدوان الإسرائيلي".
وشهدت غزة خلال السنوات الستة الماضية ثلاثة حروب، أولها في نهاية العام 2008، وأطلق الاحتلال عليها اسم "الرصاص المصبوب" واستمرت 21 يوما، استشهد خلالها وأصيب آلاف الفلسطينيين، والثانية في نوفمبر 2012، استمرت لثمانية أيام استشهد وأصيب خلالها أيضا مئات الفلسطينيين، وأطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "عامود السحاب"، والأخيرة التي انتهت قبل أسبوعين بتهدئة بين الفصائل الفلسطينية وحكومة الاحتلال، بعد 51 يوما من القصف بمختلف أنوع الطائرات والصواريخ والقذائف، وسماها الاحتلال "الجرف الصامد"، وهي الجولة الأكثر عنفا من سابقتيها، حيث استشهد خلالها أكثر من 2200 فلسطينيا وأصيب 12 ألفا، وأدت لتدمير عشرات آلاف المنازل والبنايات والمساجد والمشافي والأراضي الزراعية.
وخلال العدوان على قطاع غزة تم نشر العديد من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، تنقل فيها أطفال غزة وهم يقلدون الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة"، إضافة إلى تحويل غرف نومهم إلى معركة برية تتخللها مشاهد خطف الجندي عبر الأنفاق، والأطفال القتلى بفعل الطائرات الإسرائيلية.
يقول والد الطفلين أنس وحلا أحمد، من سكان وسط مدينة غزة لـ"شمس نيوز": طفلي أنس عاش ثلاثة حروب، كانت الأخيرة الأكثر تأثيرا في تشكيل طفولته، و"حلا" عاشت حربين لأن عمرها 4 سنوات، وهي تشاطر أخيها أنس اللعب وينسجمان معا في أرض المعركة الوهمية التي يصنعانها لمحاكاة أجواء الحرب".
وأضاف: خلال أيام الحرب كانت كل حياتنا على نمط واحد، ننام على القصف ونصحو على القصف، وفي هذه الفترة كان أنس وحلا يراقبان الشبابيك، مرة يناديان بأعلى الصوت عندما يريان دخانا ناجما عن قصف لطائرات الاحتلال، ومرة أخرى يكبران ويصفقان عندما يشاهدان صواريخ المقاومة تنطلق نحو البلدات الإسرائيلية، بل وإنهما حفظا عن ظهر قلب أسماء كثير من الأبراج السكنية التي استهدفتها طائرات الاحتلال، وانعكس ذلك كليا على أساليب اللعب ومصطلحاتها لديهما".
وأشار إلى أنه تفاجأ ذات مرة بابنه أنس وهو يغطي وجهه بالكوفية الحمراء، ويتحدث بلغة الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" مرددا عبارته الشهيرة: يتوعدنا يعلون بالحرب البرية، وله نقول، أتتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية".
يهود وعرب
أثناء تجول مراسل "شمس نيوز" في إحدى شوارع معسكر جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، وفي أحد الأزقة الصغيرة هناك شاهد مجموعة من الأطفال يحملون على أكتافهم قطعة سلاح مصنوعة من الخشب، ومجموعة أخرى يحملون الحجارة ويقومون برشق المجموعة الأولى.
سألنا أحد الأطفال عن اسم هذه اللعبة ليرد قائلاً :" اسم هذه اللعبة يهود وعرب، مجموعة يهود معهم بواريد، ومجموعة عرب بيطبشوا حجار عليهم، عشان هما احتلوا أرضنا، هذا كنا نشوفه في التلفزيون كثير".
وتابع حديثه: إحنا كل يوم بنلعب لعبة جديدة منها بنجيب خشبة كبيرة ومسورة بنحطها عليها، عشان تصير زي دبابة وبنقصف إلي قدامنا مثل ما عملوا اليهود فينا بالحرب".
هذه هي حياة أطفال غزة المحاصرة أكثر من سبعة أعوام، لم يتعودا على اللعب بالكمبيوتر أو البلاي ستيشن كما أطفال العالم، فانقطاع الكهرباء باستمرار إضافة إلى الحروب المتتالية جعلت ألعابهم ومصطلحاتهم كلها حرب وسلاح".
معلقة بالحرب
أما والدة الطفلين، محمد وأنس مطر فتقول لـ"شمس نيوز": أصبح أولادي كل لغتهم وألعابهم وحياتهم معلقة بمفهوم الحرب، فعندما نسمع صوت طيارة، يقول أطفالي لي ماما ماما راح تقصفنا هاي الطيارة".
وتضيف خلال حديثها لـ"شمس نيوز": محمد يبلغ من العمر سبعة أعوام وأنس خمسة، وهو لا يريد الذهاب للمدرسة عندما تفتح أبوابها، لأن اليهود كما يقول سيقصفونها كما قصفوا وقتلوا كثيرا من الأطفال" منوهة إلى أن الموت والقتل والقصف أصبحت مفاهيم ملازمة لأطفالها.
وأشارت إلى أنها كثيراً ما تسمع أبنائها يرددون اسم "أبو عبيدة"، ذلك الاسم الذي تردد كثيرا وعرفه الناس عندما كان يخرج بخطابات وبلاغات لكتائب القسام، فيرخي الكبير والصغير أذنيه إنصاتا له".
نماذج وسلوكيات
من جانبه، فسر أستاذ علم النفس الاجتماعي د. درداح الشاعر هذه السلوك الجديد لدى الأطفال بأن الطفل شاهد الكثير من مشاهد العنف والدمار والألم خلال الحروب المتكررة على قطاع غزة، خصوصاً العدوان الأخير الذي كان مريراً.
وأوضح الشاعر أن الطفل يحاول إسقاط ما شاهده وسمعه على ألعابه وكلماته ورسوماته وتمثيله في كل ما ينقله من تصرفات، ويحاول أيضاً أن يردد ويكرر الواقع الذي تعامل معه، سواء عن طريق المشاهدة أو المشاركة أو الإحساس الفعلي أثناء العدوان.
وقال الشاعر في حديثه لـ"شمس نيوز": من ضمن أساليب التربية، التنشئة بالملاحظة أو التقليد، فالطفل الصغير ينقل كثيرا من المسلكيات من خلال المشاهدات التي تقع عليها عينه وأيضاً من خلال تقليد بعض النماذج والسلوكيات".
ونوّه إلى أن هذه الحالة مرتبطة بمستوى العنف الذي يمكن أن يقع على الطفل، " يعني إذا الطفل وجد بيئة مختلفة أنسته هذه البيئة المريرة والمؤلمة، يبدأ بتقليد الظروف الجديدة".
وتابع أستاذ علم النفس حديثه: وإذا شاهد الطفل مسلسل عنف ودماء وأشلاء وكانت هذه الملاحظات الأخيرة في ذاكرته ومخيلته سيظل يكرر هذه الشاهد ويقلدها في سلوكه وألعابه ورسوماته أو ما شابه ذلك".