بقلم / هاني حبيب
"الأنظمة العسكرية للقيادة والتحكم الإداري" هذا هو اسم إحدى أهم الوحدات الأكثر سرية للرصد والتنصت والخبرة في مجال الحاسوب ومواجهة الهكر في إسرائيل، وكانت بداية عملها مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وتعتمد على برامج "سايبر" أنتجتها إسرائيل ذاتها ويعمل عليها جنود تعلّموا التقنيات الفنية لدى جيش الاحتلال، كما أن هذا الجيش يلتقط من خارجه، من المدارس الثانوية الذين يتميزون بقدرات مبشرة في هذا المجال، كما أن مسؤولي هذه الوحدة يلتقطون من شبكات الإنترنت أفضل العقول التي يتم الترحيب بها للعمل في هذه الوحدة التي تعتبر من أهم وحدات جيش الاحتلال.
وتعتبر إسرائيل، ثاني أكبر دولة بعد الولايات المتحدة في مجال الحرب الإلكترونية، وتقرّ بأن الوحدة المسماة 8200، هي من أهم أذرع هذه الحرب على المستوى العالمي، وتختص هذه الوحدة بشكلٍ أساسي بالتنصت الصوتي والإلكتروني، ومنذ ما يسمى "الربيع العربي"، فإن مجال هذه الوحدة توسع بحيث شمل قطاعات واسعة على الساحة العربية، لدراسة التحولات السياسية والاجتماعية الناجمة عن هذا "الربيع"، وتقول "معاريف": إن خريج هذه الوحدة أو العامل فيها يوصف بالعبقري، وتوفر الدولة العبرية لهؤلاء رواتب عالية جداً، لكي لا يعملوا في الخارج، ليس فقط بسبب إمكانياتهم العبقرية، ولكن حتى لا تكتسب جهات أخرى، حتى لو كانت صديقة، القدرة على المنافسة في هذا المجال!!
هذه الوحدة تعمل بالتكامل مع وحدة "سييرت متكال" وهي الوحدة الخاصة الأكثر نخبوية في الجيش الإسرائيلي وتتبع مباشرة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ومتخصصة بشكلٍ أساسي بتنفيذ عمليات الاغتيال في عموم القارة العربية، حسب ما ورد في مقال للباحث صالح النعامي على موقع الجزيرة.
نسوق هذه المقدمة الضرورية، للدلالة على مدى عبقرية هذه الأجهزة والوحدات والعاملين فيها، ومدى حق الإسرائيليين في الفخر بها والاعتزاز بامتلاكها، بينما قدرات أقل إمكانيات وأكثر تواضعاً، استطاعت اختراق الجيش الإسرائيلي بأسهل الطرق وأقلها كلفة، وأكثر عبقرية، الإشارة هنا بطبيعة الحال إلى ما كشفه الجيش الإسرائيلي عما أسماه بالنشاط الالكتروني الخطير لحركة حماس على شبكات التواصل الاجتماعي، يهدف إلى استدراج جنود الاحتلال عبر حسابات مزيفة لفتيات سرقت صورهن بهدف الوصول إلى أسرار عسكرية، ضابط الاستخبارات العسكرية الذي أدلى بهذا الكشف لوسائل الإعلام الإسرائيلية، لم يكشف عن عدد الجنود والضباط الذين سقطوا في فخ حماس، لكنه قال إن العشرات من هؤلاء كانوا ضحايا هذا الاختراق، مع ذلك يقول هذا الضابط: بالتأكيد هناك احتمال أذية الأمن القومي، إلاّ أنه صغير جداً!!
يبرر هذا الضابط الكشف العلني عن هذا الاختراق، بالقول: إن الهدف هو رفع الوعي لدى الجنود والضباط بهذه المسألة، لكن "تايمز" في إسرائيل تقول في أحد مقالاتها حول الموضوع، إن مسؤولين إسرائيليين في الجيش الإسرائيلي أكدوا على أن "الواقع الافتراضي" المتغير، يشكل نقطة ضعف بالنسبة لقدرة الجيش على الحفاظ على أسرار عسكرية"، هنا كما نلاحظ، تراجع عن الحديث عن العباقرة وفخر الحرب الإلكترونية على لسان الصحيفة التابعة مباشرة من خلال صاحبها، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو!!
"إسرائيل مكشوفة أكثر من أي وقت مضى" هكذا أعلن الكاتب في "معاريف" يوسي ملمان على ما كشفه جيش الاحتلال حول اختراق هاكرز حماس لوحدات وجنود وضباط في الجيش، ويتعجب من قدرة هؤلاء الهاكرز على اختيار واصطياد جنود وضباط معينين، فهم مبدعون في البحث عن ضحاياهم، إلاّ أن أهم ما أشار إليه ملمان، أن ما تعرفه إسرائيل ومؤسساتها الاستخبارية ووحداتها التقنية ما زال محدوداً، وان الكثير ما زال غير معروف، وان على الدولة العبرية أن تأخذ بالحسبان، ان التجسس المضاد وحماية السايبر لدى "أمان" و"الشاباك" لم ينجح في منع الاختراقات من قبل حماس، وينبغي الافتراض أنها حصلت على الكثير من المعلومات الأكثر سرية وأهمية "لكنهم في إسرائيل لا يعرفون هذا" يقول ملمان ("معاريف" 14 كانون الثاني ـ نقلاً عن مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية).
ما استوقفنا في هذا السياق، السؤال المنطقي: لماذا عمد الجيش الإسرائيلي إلى نشر هذه الفضيحة المخزية على نطاق واسع، الأمر الذي أدى إلى التطاول عليه من قبل أجهزة الإعلام الإسرائيلية، والتندر على عبقرية وإمكانيات السايبر والهاكرز لدى الحرب الإلكترونية الإسرائيلية.. هل صحيح أن هذا الكشف جاء لتعليم الجنود كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، كما قال الضابط الذي تولى الكشف عن الفضيحة، اما كان بالإمكان القيام بتربية وتعليم جنوده، من دون هذا الكشف الواسع والمتكرر لهذه الفضيحة.. الواقع أننا لا نمتلك إلاّ تكرار التساؤلات المترافقة مع دهشة من هذا السقوط المعلن لعبقرية أبت أن تتواضع، مقابل عبقرية الحاجة إلى الإخلال بميزان القوى من خلال أبسط الوسائل وأسهلها وأكثرها جدوى!