استفحلت ظاهرة الإدمان على المخدرات في تونس بشكل مفزع في أوساط الشباب، بل إن الأمر المؤسف يشير إلى أنّ 30 % من المدمنين عليها من شريحة الإناث، وشملت الآفة أطفالاً بعضهم لا يتجاوز 12 سنة. واستنادا إلى التحقيقات الميدانية التي أنجزت تؤكد أنّ مُروجي المخدرات بمختلف أنواعها، نجحوا في التسلّل إلى الجامعات والمعاهد العليا، بل تعدى ذلك إلى إقامة شبكات لترويجها في بعض المدارس الابتدائية والثانوية. ويأتي كل ذلك في غياب الرادع القانوني والوازع الديني لدى عصابات باتت متخصصة في تدمير شباب الأمة.
وقد دعا رئيس جمعية السجين 52 التونسية غازي مرابط، الحكومة إلى فتح حوار وطني من أجل تغليظ العقوبات في مسألة استهلاك المخدرات وبيعها والترويج لها، وتحديداً مادة الحشيش المخدر المعروفة محليا بـ«الزطلة»، وسبق للجمعية أن وجهت رسالة إلى رئيس الحكومة مهدي جمعة، تدعوه فيها إلى ضرورة تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992، الذي يقضي بسجن مستهلكي مادة الحشيش المخدر من عام إلى خمسة أعوام. واعتبر قانون المخدرات فاشلاً ولا بد من تعديله، والسعي الجاد لإيجاد عقوبات بديلة عن السجن، كالغرامات المالية وخدمة المصلحة العامة، لأن ظاهرة استهلاك الحشيش انتشرت بشكل مهول في صفوف الشباب والقضاء عليها بعقوبة السجن فقط لم يعد حلاً.
وفي السياق ذاته طالب سليم عمامو رئيس حزب القراصنة «معترف به سياسيا»، عدم تجريم تعاطي مادة القنب الهندي «الحشيش»، فالمخدرات الخفيفة تلقى اهتماماً من النواب والساسة، لذا هدفهم تجريمها، بينما هي لدى المواطنين أشياء عادية لا تخيفهم، ورغم وجود قانون يعاقب من يتناولها، إلا أن الشباب يقبل عليها غير مبال لذلك يجب عدم تجريم تناول الخفيفة منها.
وأكد عمامو وهو وزير دولة سابق للشباب والرياضة في حكومة الباجي السبسي بعد الثورة، أن المشرّع مطالب بإلغاء القوانين المجرّمة لاستهلاك الحشيش، وأن تقوم جهة بالإشراف على توزيعه عبر قنوات قانونية مثلما يحدث في دول أوروبية، بدلاً من استمرار تعاطيها في تحد واضح لإرادة الدولة.
مراجعة العقوبات
ومن جهته كشف رئيس جمعية الوقاية من تعاطي المخدرات عبد المجيد الزحاف، أنّ التشريعات الموجودة حالياً لا تضطلع بدور فعّال في الحدّ من نسبة استهلاك الحشيش، وقال إنّ مكافحة الظاهرة تستوجب بدرجة أولى مراجعة العقوبات، فمن غير المعقول أن تكون عقوبة المستهلك، السجن سنة كاملة ،بينما يجب على السلطات التكفل بعلاج المدمن والقيام بحملات توعوية في أوساط الشباب بمختلف ولايات الجمهورية.
وتؤكد بعض المؤشرات أنّ 20 ألف شخص في البلاد يستهلكون حبوب السوبيتاكس، و100 ألف أدمنوا استهلاك الحبوب المنومة، و200 ألف شخص يستهلكون المخدرات. وأشارت بيانات إحصائية إلى أن بين 5 و10% من الفتيات مُدمنات على تعاطي المخدرات من أصل 56 % من المُراهقين الذين يتعاطون الحشيش. وشددت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة، راضية الجربي، على أن إدمان الفتيات على المخدرات باتت ظاهرة جديدة في المجتمع وهي خطرة تستوجب المتابعة، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم لوضع حد لهذا الخطر، وفي مقدمة أولئك الدولة والمجتمع المدني.
أسباب اجتماعية
ويرجع الأخصائيون الاجتماعيون تزايد ظاهرة إدمان الفتيات على المخدرات خلال العامين الماضيين، إلى قسوة الظروف المعيشية وحالة الإحباط الناجمة عن انسداد الآفاق أمام الشباب، في ظل تفشي حالات الفقر والبطالة والتفكك الاجتماعي والاضطرابات النفسية. والإدمان شكل من أشكال ردة الفعل على رفض الأوضاع السياسية والاقتصادية المحلية عامة.
عودة النشاط
الغريب ظهور بعض مستهلكي الحشيش في تونس أخيراً، ليعلنوا استمرارهم في تعاطيه. وأكد زوجان من شريحة الشباب الجامعي، قضيا عقوبة السجن عاماً، بعد خروجها، أنهما سيعودان لنشاطهما، ولن يتخليا عن تعاطي الحشيش.