بقلم / م. زهير الشاعر
منذ أن فاز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات العامة ،كثرت التكهنات حول سياساته المرتقبة حتى وصل الحال في بعض الأحيان إلى وصف الحالة حول العالم بأنها وكأن نهاية العالم باتت وشيكة .
لذلك وبالرغم من التحفظات التي جاءت حول تقليل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب التنصيب من سياسات أسلافه، إلا أنه مزج الخطاب بإشارات أمل مما خفف من حجم المبالغة من تلك المخاوف ، حيث كان واضحاً بأنه يعلم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم كدولة مؤسسات لا تخضع لحكم الفرد الذي له حرية التفكير فيما يريد ، ويدرك بأن عليه أن يلتزم بالسياسات العامة والسلطات التشريعية الممنوحة والتي تناط به وتصدر من الكونجرس المتمثل بمجلس الشيوخ ومجلس النواب والتي تهدف لضمان الحفاظ على المصلحة العليا لهذه الدولة العظمى.
وبعد أن استلم مقاليد الحكم رسمياً، دخل الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب المكتب البيضاوي الشهير في البيت الأبيض، وبدأ في ممارسة مهامه في الحكم على رأس هرم حكومي جديد يتألف من عسكريين سابقين ورجال أعمال سيشاركونه حكم الولايات المتحدة الأمريكية في ولايته الأولى.
ويأتي الرئيس دونالد ترامب على رأس الهرم وبجواره نائبه مايك بنس صاحب الوجه الهادئ ، الذي كان حاكما لولاية إنديانا، والمعروف بتوجهاته المحافظة المبنية على أسس التمسك بالمبادئ والقيم التي يؤمن بها والتي دخل الحقل السياسي من أجل تحقيقها.
ثم يأتي رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض وهو رينس بريبوس، الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الجمهوري ، وهو الذي يتمتع بصفات تمنحه القدرة على صناعة الصفقات السياسية .
كما أن الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي حظي بحقيبة وزارة الدفاع ، وهو الرجل الذي يعتبر الأكثر تشدداً حيال العلاقة مع روسيا، وأكثر انفتاحا ودعما لحلف الناتو، كما أنه يدعم الاتفاق النووي الإيراني وينتقد المستوطنات الإسرائيلية الغير شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، هذا عوضاً عن أنه سيقوم بشكل أساسي بالإشراف على المعركة ضد الإرهاب وخاصة فيما يتعلق بالمعركة ضد تنظيم "داعش" في كل من سوريا والعراق.
كما أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبور الذي عمل كسفير للمملكة العربية السعودية في العاصمة الأمريكية واشنطن لوقتٍ طويل ، أعطاه الفرصة ليكتسب خبرة واسعة في قراءة ثقافة المجتمع الأمريكي ومتطلباتها والقدرة على التلاقي معها، كان قد وصفه بأنه رجل وطني يدرك مصالح بلاده جيداً.
كما أن وزير الخارجية الجديد وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة “ إكسون موبيل ” ريكس تيلرسون، يحظى بعلاقات وثيقة مع ساسة ورجال أعمال روس ولديه خبرة واسعة في فهم ثقافة العالم العربي والتعاطي مع التحديات التي تواجه العلاقات الأمريكية العربية.
مما سبق من شكل الهرم الحكومي الأمريكي ، في تقديري أنه بالإمكان الاستنتاج بأن الرئيس دونالد ترامب بدأ خطواته بثقة كبيرة عبرت عن وجود طاقم مستشارين وخبراء يجيدون قراءة الواقع بشكل عميق ومحترف ، مما ساهم في اختيارات دقيقة جاءت في سياق تطلعات متوازنة فيها إدراك للتحديات القائمة والحفاظ على المسافات التي تضمن تعزيز المصالح بين بلاده ودول العالم الأخرى، وفهم عميق لحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة للعالم.
وكان الاختبار الأول لهذه الإدارة هو نجاحها في تخفيف حدة التخوفات حول نيتها اتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس من اليوم الأول من تسلمها المسؤولية ، وذلك تماشياً مع حجم التحديات والمخاطر التي ترافق هذا التوجه وضرورة تلاشي انعكاساتها على الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما أنه سارع في الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاج السيسي وأشاد بمواقفه من محاربة الإرهاب الذي يواجه مصر والمنطقة العربية، في إشارة منه بالغة الأهمية بالنسبة للعلاقات الأمريكية المصرية ، وعلى ما يبدو بأنه يراهن على أهمية الدور المصري في محاربة الإرهاب وذلك من خلال توجهه لإعادة دورها المحوري والريادي في المنطقة مع ضمان إعادة تدفق المساعدات لها كحليف استراتيجي من جديد.
من هنا أستطيع القول بأن واقع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة الرئيس دونالد ترامب الذي بدأت تكشف عنه التعيينات المتلاحقة والتصريحات المتوازنة ، خففت من حدة التهويل الذي سبق خطاب التنصيب.
لكن ذلك لا يعني بأنه لم يثر قلق دول الجوار ومنها كندا التي ترتبط بلاده معها بعلاقات تاريخية وباتفاقية التجارة الحرة "نافتا" North American Free Trade Agreement (NAFTA)، حيث أشار في مكالمة له مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو" Justin Trudeau" إلى أنه سيتفاوض معه من جديد حول هذه الاتفاقية التي تعد في نظره أسوأ اتفاقية في التاريخ بالنسبة لبلاده ، وهذا ما تم أيضا مع الرئيس المكسيكي بينا نيتو "Pena Nieto"، مما أثار تخوفات هذين البلدين من انعكاسات ذلك على اقتصاد بلديهما.
لكنني أجد في ذلك مناكفات مبكرة تأتي من فكر رئيس لا زال يحمل فكر رجل الأعمال الذي يريد أن يحقق المكاسب دائماً، ولربما بدافع الرغبة برسم العلاقة من جديد مع حكومتي البلدين كونهما حكومات البلاد المجاورة وهما حكومات ليبرالية تتناقض بفكرها مع فكر حكومته المحافظة، وأعتقد أن ذلك لن يطول وسيكون هناك طريقة للتوافق والحل بما يحفظ مصالح هذه الدول بدون أي تعقيدات، خاصةً أن كندا هي بلد حضاري ومتقدم وعضو في مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة الثماني ومجموعة العشرين وحلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومنظمة التجارة العالمية، ودول الكومنولث والفرنكوفونية، ومنظمة الدول الأمريكية، ومنظمة الإيبك والأمم المتحدة، وهي تمتلك واحداً من أعلى مستويات المعيشة في العالم، حيث مؤشر التنمية البشرية يضعها في المرتبة الثامنة عالمياً ، كما تتمتع بالانفتاح بعلاقاتها السياسية والدبلوماسية مع كل دول العالم.
لكن هذا لا يغفل توجهات الرئيس دونالد ترامب الصادمة وذلك من خلال توجهه لإعطاء أوامره ببناء جدار بين بلاده والمكسيك ، حيث ستكون هذه هي الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات الصارمة ضد المهاجرين وتعزيز الأمن القومي الأمريكي ستتخذ هذا الأسبوع ، بما في ذلك خفض عدد اللاجئين الذين يمكن إعادة توطينهم في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما أنه أشار إلى توجهه حتى لو بشكل مؤقت إلى منع السوريين وغيرهم من اللاجئين القادمين من الدول التي تعاني من الإرهاب من الدخول إليها.
President Trump on Wednesday will order the construction of a Mexican border wall — the first in a series of actions this week to crack down on immigrants and bolster national security, including slashing the number of refugees who can resettle in the United States and blocking Syrians and others from “terror prone” nations from entering, at least temporarily.
هنا أود أن أضيف بعيداً عن الموضوع في سياقه السياسي، لمسة إنسانية راقية مثيرة للاستحسان في شخصية الرئيس دونالد ترامب الذي حرص على أن يرافقه إبنه بارون ترامب Barron Trump البالغ من العمر عشر سنوات طوال حفل التنصيب، حيث كان حريص بحس الأبوة أن يشاركه بثقةٍ وحب ، مشاعر سعادته الطفولية الجميلة والبريئة في تلك اللحظات، في دلالة على أن الرجل يحمل في داخله شخصية إنسانية صادقة ودافئة المشاعر، يؤمن بالقيم والمبادئ، ولهذه الصفات أبعادها الإيجابية والبناءة ستظهر مع مرور الوقت وتقدير حجم المسؤولية ، بغض النظر عن ما يصدر عنها من تصريحات تُتَرجَم بأنها تتعلق بشخصية عدوانية ، التي في تقديري أن هذا الوصف يجافي الحقيقة المتمثلة في أن هذه الصفات نابعة من الإيمان بالشيء والرغبة بالإنجاز وتحقيق النجاح، وهذه صفات نبيلة تتعلق بإنسان يتمتع بالقوة والمرونة العالية وبروح الإنجاز في التعامل مع متطلبات وتحديات النجاح مهما كانت معقدة.
لذلك في تقديري أنه بالرغم من التحديات المختلفة ذات الأبعاد والأوجه المتعددة التي تواجه إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلا أنني أجد بأنه سيكون في عهده هناك مرونة مذهلة مع مرور الوقت في إيجاد حلول للتعاطي معها.