بقلم / صلاح هنية
انهلكنا إستراتيجيات وتخطيط إستراتيجي ... أكاد أجزم أنه لا يوجد قطاع في فلسطين إلا وله إستراتيجية سواء لثلاثة أعوام أو خمسة أعوام، وبات لدينا في نهاية كل عام لقاءات لأكثر من يوم واحد لبحث الخطة الاستراتيجية وتطويرها، ويجتهد المشاركون في حصر الأفكار والمساهمة في الصياغة، إضافة لما نشر من خلال منظمة التحرير الفلسطينية ما قبل 1994 حول الرؤية التنموية واستراتيجية قطاع الإسكان والطاقة والمياه، وبات لدينا مستشارون وشركات استشارية متخصصة في هذه الحقول، ولدينا مانحون يقومون بتمويل تلك النشاطات، وبات لدينا ادبيات سابقة جاهزة ومجهزة.
وحتى أكون منصفاً فإن فلسطين منذ العام 1994 ومنذ تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية وهي تمارس هذا التمرين برؤى وصيغ متنوعة ومتعددة، ولدينا أجسام تنسيقية للقطاعات يشارك فيها وزارة الاختصاص ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة والخبراء والجهة المانحة التي تترأس هذا القطاع نيابة عن المانحين، وكانت هناك اجتماعات قطاعية مع كل مانح على حدة تتم في وزارة الخارجية التي كانت تسمى وزارة التخطيط والتعاون الدولي.
ولم يختلف الحال لدى البلديات ومؤسسات المجتمع المدني والائتلافات المختلطة حكومياً والمجتمع المدني.
بعد هذا العمر الطويل وهذه التجارب والأدبيات والخبرات لا زلنا نفتتح مقدمة الاستراتيجيات بعبارات تكاد تكون ثابتة ومكررة بديباجة مختلفة عنوانها العوائق والمتمثلة بالاحتلال كعائق دائم ومن ثم بروتوكول باريس الاقتصادي، وهناك من يضيف إعلان المبادئ للسلام "اوسلو" ومن ثم عوائق ذاتية تصنف انها تحديات ومن ثم رؤى لسبل التغلب على التحديات، وهذه الديباجة المتكررة في كل الاستراتيجيات باتت تشكل بذاتها عائقاً أمام حراك حقيقي للتنفيذ أو وضع خطة تنفيذية قابلة للتنفيذ، ونظل مصرين على الاستمرار في هذا التمرين دون أن نغير الديباجة، وقد أجريت مراجعة لبعض الاستراتيجيات في العام 2012 و2006و2000 بمواضيع هي مركز اهتمامي الشخصي والتطوعي واستراتيجيات لقضايا ذات علاقة فوجدتها تتكرر وكأن شيئا جديدا لم يقع.
لا اريد ضمن هذه المساحة ان أضع بقعة سوداء وأقول عليكم بالأفضل، بل ما أريد الوصول اليه يجب ان يكون لدينا جهة لتقييم التنفيذ والإنجاز الذي تحقق كنوع من المساءلة، ليس من باب الاتهام ولكن من باب ماذا فعلنا بكل هذا الجهد والوقت.
لن اختم قبل أن أقول ان الكل الفلسطيني شريك في التنمية، وما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني خاضع للمساءلة، والبلديات كذلك، والاتحادات الشعبية، وجمعية حماية المستهلك الفلسطيني، والجمعيات الوطنية.
كفوا عنا إغراقنا في التخطيط الاستراتيجي لهدف التخطيط الاستراتيجي، وضعوا أرجلا لها لتطبق على الأرض من خلال خطة تنفيذية ومن خلال كفاءات بشرية قادرة، ولا تنتقلوا لإغراقنا بالتدريب لهدف التدريب وفي نهاية الأمر لا تنعكس أهداف التدريب على واقع تطوير الأداء.
واقع الحال اليوم يقول ان حجب إمكانيات التطور للكفاءات البشرية لن يكون منقذاً، ولن يشكل علامات إضافية على قاعدة أن إنجاز العمل لوحدي يعطي نتائج افضل من فريق عمل، ومنح فرصة لزميل آخر بالقيام بعمل يبدع فيه، والتركيز على تطوير هذا الجانب سيشكل خطوة مهمة تقود الى تطوير بالغ الأهمية في الميدان.
عملياً توفير الإمكانيات للنجاح اهم بكثير من تحديد عناصر القوة وعناصر الضعف، وإذا ظل هناك تكرار لذات العوامل دون استثمار بها لتجاوز الضعف والبناء على عناصر القوة لن يجدي نفعا.
التخطيط الاستراتيجي أمر بالغ الأهمية ولكن تكراره كتمرين واجب النفاذ دون اي تقدم إرهاق لا مبرر له.