بقلم / ريما كتانة نزال
لم تكمن أهمية المظاهرات النسوية في الولايات المتحدة من كونها جاءت في اليوم التالي لتنصيب الرئيس دونالد ترامب، بقدر ما انطوت عليه التحضيرات للمظاهرة من عملية تقييم ونقاش شامل، أدت إلى قرار تنظيم وتسيير المظاهرات في عموم الولايات المتحدة، وما تمخض عنه الجدل الدائر من دروس وعبر ونتائج واستخلاصات.
الفضل لخطاب «ترامب» العاري حتى من ورق التوت! الذي أدى إلى استفزاز النساء وانفجارهن الصاخب، فالخطاب منهجي عدا وضوحه وسهولته. لقد توقفت النساء أمام الحالة الترامبية وأعدن النظر بمجمل الأداء النسوي، فحصن الموقف العام في العهد الجديد، قررن توجيه الرسائل الاحتجاجية والتحذيرية بقوة، من الشارع.
وقفت النساء أمام المرآة العاكسة للذات والنتائج والمسؤوليات المناطة بهن. الحركة الاحتجاجية كشفت عن صحوة النساء بعد إغفاءة يبدو أنها كانت طويلة نسبياً، نومهن على حرير الإنجازات المتحققة: تشريع الحقوق المدنية؛ نيْل حق المرأة في الترشح والاقتراع، بعد نضال استمر أكثر من مئة سنة.
في الطريق الى المسيرة، تم فحص ميزان الأرباح والخسائر، حيث ظهر أن الإنجازات لم تترسخ في وعي المجتمع، أن مركز ثقل التوعية والتثقيف يركز على النساء من أصول إفريقية ولاتينية أكثر من النساء البيض، بينما نتائج الانتخابات أشارت إلى أن أكثر من نصف أصواتهن ذهب إلى ترامب، التشريعات لم تتمكن من تطهير العنصرية واقتلاع جذورها، ولم تمنع الأفراد من ممارسة التمييز العنصري.
في حسابات الربح والخسارة: المكاسب يمكن تقويضها؛ لا بد من الاستمرار في تحديث وتفعيل الإنجازات الحقوقية، الإمساك بصلب وأصول الحقوق وحمايتها من الاختراقات والاجتياحات الفكرية. لا يكفي الوصول إلى الاعتراف بالنسوية دون ترسيخها بالوعي الجمعي، لا تكفي مظاهر الاعتراف وأشكاله، كمثل أن تصبح تخصصا أكاديميا يُدَرَّس في الجامعات، بل المطلوب العودة للعمل السياسي الديمقراطي النسوي، باعتبار أن قضية المرأة قضية حقوق ديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان لا تُجَزَّأ.
بادرت النساء للنزول للشارع، فالشارع هو الميدان الذي يمكنه توصيل الرسائل القوية، لأن البذاءة ضد النساء أكبر من أن تحتملها النساء. التهديد لا يطال النساء فقط، بل يصيب في مقتل القيم والمبادئ التي تندرج تحت عنوان العدالة الاجتماعية والديمقراطية، جميعها معرض للذهاب أدراج الرياح، إن لم تواجه باصطفاف واسع وشامل، جغرافيا وموضوعاتيا، يعيد النظر في المسار لتصويب انحرافه عن المبادئ، من أجل ترسيخها ونقشها عميقاً في الوعي.
فالرئيس لا يحتقر النساء فقط، بل يحتقر ويعادي الملوَّنين والمهاجرين والفقراء. لذلك فإن المعركة المطلوب خوضها متشعبة الوجوه والاتجاهات وتتطلب بناء التحالفات، كعملية ومواجهة سياسية، اقتصادية واجتماعية وفكرية، ضد الفكر العنصري والاستغلالي والإقصائي.
العودة للبدايات؛ للعمل كحركة: اجتماعية وسياسية ومُهَيْكلة ومنظمة. إخراج الحراك من حالة الاحتجاج والانتقال به إلى حالة تحقق الترابط بين الأهداف بالبرنامجية وأشكال التحرك والأنشطة المرافقة، زيادة زخم الحراك وتأطيره كشكل نضالي مستمر ومتواصل دون أن يصيبه الروتين والتراخي والتباطؤ.
الاهتمام بالحراك النسوي الأميركي ليس من فراغ، فالتأثير الأميركي على العالم بديهي لا يحتاج إلى برهان.. لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه على خلفية الحراك كأول رد فعل شعبي أميركي على انتخاب «ترامب»، هو سؤال التأثير الذي يمكن أن تحدثه الاحتجاجات النسوية في المنطقة ومنها نحن، خاصة أن أميركا تؤثر سياسيا واقتصاديا، وأصداء وتأثير الخوف الذي أصاب أميركا ينتقل إلى مناطق أخرى من العالم. كما تصدِّر أميركا الفكر من خلال التكنولوجيا وغيرها، فالعالم أصبحت قضاياه متشابهة ومتقاطعة، والتأثير القادم من الغرب، ليس سلبيا دائما كما يتم اتهامه، ولا أجازف بتصنيف تأثير حراك النساء في أميركا بالإيجابي، لأنه احتجاج معارض بوجه التغيير نحو الأسوأ، حراك قام بوضع الكوابح أمام عجلة شرسة تدور بقوة في مناطق عدة من العالم، لن تترك ولن تذر، خاصة مع انطلاق عدد من المظاهرات التضامنية في بلدان أوروبية تشهد تحولات فكرية وسياسية شبيهة..
ما الذي يمكن أن نستخلصه من الحراك النسوي المعارض في أميركا، هل تصلنا رسائله وإيحاءاته؟ هل نذهب إلى إنعاش الفكر النسوي القادر على الإنتاج والغربلة، العودة إلى الجذور، النسوي مع السياسي.. هل يدفعنا إلى القيام بفحص الترابط المحكَم بين البرنامج وأشكال التعبير عنه!؟