بقلم / هاني حبيب
تراجعت إدارة الرئيس دونالد ترامب ـ مؤقتاً على الأقل ـ عن نقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى القدس المحتلة، وهناك العديد من التفسيرات والشروحات لأسباب هذا التراجع، منها أن رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، نصحت ترامب بألا يقوم، في الوقت الراهن بالوفاء بتعهده بنقل السفارة، خشية من ردود الفعل المحتملة، خاصة وأنه أعلن حرباً على «الإرهاب الإسلامي» فإن المسلمين في كل العالم، ربما يقومون بردود فعل لا يمكن التكهن بعواقبها، وإن هذا الانتقال سيوحد المسلمين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم، باعتبار أن «القدس» هي العاصمة الروحية لكل المسلمين، وسيتغاضى معظم هؤلاء عن أفعال وأعمال «داعش»، وربما هذه الأخيرة، تنال مزيداً من الدعم والقوة.
ويقول أصحاب هذا الرأي، وفقاً للصحافة البريطانية: إن «ماي» أشارت إلى ضرورة التريث، خاصة في الأسابيع وربما الأشهر الأولى من ولاية «ترامب» حتى لا تواجه هذه الإدارة وهي لا تزال في بداية تجربتها بالحكم، بمواجهة يمكن تأجيلها إلى أن تقوى وتعزز ويمكن لها الحكم على السياسات بشكل أفضل.
ومن قال إن الإدارة الأميركية تراجعت من تلقاء نفسها على ضوء نصائح تقدمت بها بعض الجهات السياسية المقربة من الرئيس، بضرورة عدم التعجل بهذا القرار، خشية من أن يشكل في حال تنفيذه حجر عثرة أمام دور سياسي تلعبه واشنطن على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، مثل هذا القرار، يشكل اصطفافاً مباشراً لصالح إسرائيل، لن يمكن أي طرف فلسطيني من المضي قدماً في أي عملية سياسية تلعب واشنطن دوراً أساسياً فيها، هذا من جانب ـ وحسب أصحاب هذا الرأي، فإن الإقدام على نقل السفارة إلى القدس، يزيل أحد عناصر الضغط على إسرائيل، ويجب الإبقاء على ورقة نقل السفارة، بهدف المساومة في إطار عملية سياسية تتوسط بها واشنطن، فالتنازل عن هذه الورقة يجعل الموقف الأميركي خاضعاً تماماً لإدارة نتنياهو وتمكنها من الخروج على العلاقات الإستراتيجية الأميركية ـ الإسرائيلية، لصالح الدولة العبرية حصرياً في مواجهة محتملة مع المصالح الأميركية في لحظة ما أو موقف معين، لذلك، فإن الإبقاء على هذه الورقة لاستخدامها في الوقت المناسب، يتماشى مع الرؤية المحددة للمصالح الأميركية، خاصة وأن الأمر يتعلق بتراجع مؤقت وليس رفضاً نهائياً للأمر!
بعض الساسة، أعاد التراجع عن نقل السفارة، إلى ردود الفعل المحتملة، لكن هذه المرة، فإن الأمر يتعلق بشبكة التحالفات والتبادلات التي ستقيمها إدارة ترامب مع المنطقة العربية، الحديث هذه المرة يتعلق بالأردن، الذي يستضيف في آذار المقبل القمة العربية، والأردن معني تماماً، وأكثر من غيره بمسألة القدس لأن المدينة المقدسة تخضع لرعايته، بمقدساتها الإسلامية، والمسيحية وبتفويض من السلطة الوطنية الفلسطينية، الأمر الذي يجعل من الأردن في مواجهة حاسمة مع قرار النقل في حال تنفيذه، ويجعله أكثر ضعفاً وهو يواجه حملات إرهابية من قبل ذات الجهات التي تدعي إدارة ترامب أنها معنية بتصفيتها، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأمر يقتضي عدم التضحية بالأردن وهو حليف تقليدي للولايات المتحدة، في مثل هذه الظروف الخطيرة والمعقدة!
إلاّ أن أطرف تفسير لتراجع إدارة ترامب عن نقل السفارة، هو أنه بالإمكان «نقل السفارة.. دون أن تنقلها فعلاً» وتنطوي هذه الحيلة السياسية على حنكة دبلوماسية مخادعة، أحد السيناريوهات، يفرق بين السفير ومبنى السفارة، ليمارس السفير عمله في القنصلية الأميركية بالقدس، تبقى قنصلية، وهناك سفير يمارس مهماته منها، وخلال ذلك، يتم العمل على ترميم القنصلية في «تل أبيب»، وبدء عملية بناء في القدس، لمبنى السفارة، الأمر الذي بحاجة إلى زمن ليس بالقصير، يمكن التحكم به إلى حين اتضاح صورة التداعيات وردود الفعل، ويتمخض عن هذا السيناريو، سيناريوهات يمكن تبنيها بالتوازي مع وضوح الأمر عبر زمن ليس بالقصير، وليس بالطويل، بل حسب الحاجة!
إلاّ أن الأكثر غرابة، من هذه التحليلات التي تحاول الوقوف على أسباب تراجع إدارة ترامب عن نقل السفارة، هو الذي يشير إلى أن إدارة نتنياهو طلبت من إدارة ترامب التراجع مؤقتاً عن نقل السفارة في هذا الوقت. لماذا؟ حسب هذا الرأي، فإن نتنياهو يرغب في منح الأولوية لعملية استيطان واسعة في عموم الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وبالإمكان تأجيل مسألة نقل السفارة للاستمرار في هذه العملية والتي تضمن صمت واشنطن عنها في ظل تراجعها عن نقل السفارة، هذا الرأي لا يعرف نتنياهو وحكومته اليمينية، ولا المأزق الذي وقع به نتنياهو داخلياً من خلال ملاحقة بوليسية وتحقيقات على خلفية فساد مركب، وأنه بحاجة إلى إنجاز على الصعيدين معاً، العملية الاستيطانية ونقل السفارة خاصة في ظل أجواء داخلية إسرائيلية، تتحدث عن البحث عن بديل لخلافته!!