شمس نيوز/ توفيق المصري
يضطر أحمد أبو حشيش (30عاماً) الأب لـ 5 بنات، تجاهل مناجاة أطفاله ودموعهم التي تسيل، ونار الحسرة يكتُمها ويلعقُها، مع طلبهن الذهاب لأحد المتنزهات في قطاع غزة .
يجوب أحمد شوارع غزة صباح مساء، بحثاً عن قطع بلاستيكية أهملها المواطنين، يجمعها ليبيعها مقابل مبلغ من المال، ليوفر قوت أسرته.
وكما العائد بنشوة انتصار الفارس من المعركة، يعود أحمد بخطوات مسرعة لبيته الواقع في منطقة "جورة الصفطاوي" شمال غرب مدينة غزة، محملاً ببضع حبات من البندورة والبيض، ويعلم أثناء سيره أن عائلته تنتظره بفارغ الصبر، وأن أعينهم لن ترى النوم من أصوات "قرقرة" بطونهم.
ومع عودته اعتاد أحمد أن يهرب ليخبئ دمعته خارج "الحاصل" الذي تعيش فيه أسرته ، والذي لا تزيد مساحته عن 50 متراً، أشبه "بالقبو" الذي لا تزوره الشمس في الصيف، ولا يقي برد الشتاء، خالي حتى من النوافذ ، فيخرج ويلتقط أنفاسه التي كسرتها قسوة الحياة.
بداية قصتنا
يعمل أحمد على عربة "كارة"، هي مصدر رزقه الوحيد له ولـ 5 من أطفاله ولزوجته، ولـ 10 من أولاد أخته تغريد التي تسكن معه في الحاصل
يتحدث أحمد بتنهيدة قلب متقطعة لأوضاعه التي يعيشها، "رزقي مرهون بحماري، ولو فقدته تضيع حياتي؛ ولولا الله ولولا الكارة لما عشنا، ولولاها لأصبحنا متسولين في الشوارع".
يتابع أحمد ومناجاة أطفاله تحرق قلبه: "أولادي لم يخرجوا منذ عُمر، ولهم اسبوعين يتوددوني لآخذهم لمنتزه قريب، وأقول لهم، هل نذهب ونرى الأطفال يأكلون ويشربون، وأنا عاجز عن شراء أبسط الحاجيات لكم؟".
يحمل ابن الثلاثين أحمد هماً داخله، ضاعف من عمره؛ فالإضافة لإعالته أسرته، فهو يعيل أخته وأطفالها وزوجها "المكتئب" الذين طردوا من البيت الذي استأجروه في أول شهر لهم، فقام بتقاسم "الحاصل"وإياهم بفصله بقطع من الأقمشة، ليصبح "الحاصل" مسكن لـ17 شخصا منهم والد ووالدة احمد المسنيين.
وحكاية مسكن أبو حشيش الذي يخلو من النوافذ والبلاط، تجعل الثلاثيني احمد أشبه بالطيور المهاجرة التي تبحث عن مستقر لها وسط زوبعة الأجواء، ففي الشتاء يغرق مسكنه -لانخفاض منطقة" الجورة" المنخفضة عن مستوى الأحياء المحيطة بها- ما يجعل منها مستنقعاً لمياه الأمطار والصرف الصحي.
فقدت طفلتها أمامها
أما أخته تغريد الكحلوت (40 عاماً) الأم لـ 10 أطفال، التي تعيش في نفس "الحاصل"، ولها طفلة تعاني من إعاقة، تتذكر حينما خرجت قبل عام وقلبها يتقطع لفقدانها فلذة كبدها.
في شتاء ماطر كان يوم فاجعاً، استيقظت تغريد من نومها ووجدت طفلتها على يمينها جثة هامدة، بعد عام ونصف العام من عمرها، قضتها تداعب جسدها كـ"دمية"، وكيف لها أن تنسى تفاصيلها؟.
تقول تغريد مستذكرة طفلتها التي توفت نتيجة غرقهم في المياه ولتلوث المسكن، "فقدت ابنتي أمام أعيني.. خرجت يومها أجوب الطرقات وأنا أحمل جسدها، وكنت أصرخ ابنتي ضاعت.. ابنتي ماتت ".
قاطع أحمد حديث أخته، "ناشدت البلديات بشاحنة رمل، لجعلها ساتراً أمام أبواب المنزل، كي لا تجتاحنا المياه ونحن نائمين، لكن لا حياة لمن تنادي".
واقتصرت أمنياتهم بأن تتحسن أوضاع كل الفقراء، وأن يعطي الله كل سائل ومحتاج.
مرض يتفشى
في هذه المنطقة (جورة الصفطاوي )يعيش ما يزيد عن 100 شخص، منذ أكثر من 23 عاماً، وهناك عائلة من العائلات التي تعيش هنا أكتشف حديثاً بأن مرضاً وبائياً متفشي بين أفرادها، وهناك خشية من تفشيه بين أهالي المنطقة، بحسب ما يقول خميس قاعود المخول للحديث بلسان أهل المنطقة.
ويضيف قاعود: "بعد كشف أحد الأطباء على العائلة لمعرفة أسباب هذه الأمراض، أرجع الطبيب لتلوث المنطقة".
ونوه إلى، أن المنطقة لا تصلح للحياة، وأنها تنشر بها الحشرات في الصيف، وفي الشتاء تغرق بمياه الصرف الصحي.
وأضاف: أن كل أهل المنطقة يعانون من أمراض جلدية، مشيراً إلى أن المنطقة التي يعيشوا فيها تابعة لـ خدمات جباليا النزلة.
يقول قاعود خاتماً حديثه لـ "شمس نيوز": "وعدنا من قبل الكثير من الأطراف، منها حكومة رام الله وحكومة غزة، ووعدنا بدمجنا في إحدى المشاريع القطرية، لكن متى ستنفذ الوعود؟، ومتى سينظر للأطفال والشيوخ والنساء التي تعيش هنا؟، وهل نحن رهن المماطلة؟".