بقلم / مهند عبد الحميد
وضعت على صفحة الـ"فيسبوك" الخاصة بي فيديو توثيقياً، صادر عن منظمة أمنستي - الفرع الإسرائيلي عنوانه: "على أنقاض أم الحيران من المتوقع بناء قرية حيران .. لليهود فقط". الفيديو يحرك الحجر تضامنا مع محنة المواطنين الفلسطينيين في أم الحيران، لكنه لم يحرك إلا ثلاثة أصدقاء وضعوا شارة لايك. حاولت تحري الأسباب في جولة على صفحات الناشطين والناشطات، فلم اجد شيئا عن ام الحيران. استوقفني بوست من بضعة كلمات لصديقة تقول : "انا زهقانة " وقد ظفر زهقها بأكثر من 108 لايكات وعشرات التعليقات وهو ما لم تظفر به ام الحيران.
صدمة شاركني بها الصديقة هنيدة غانم التي لم تتردد في التعبير عن غضبها بالقول : لم نسمع تصريحا ولا تلميحا ولا تلويحا من أي من مكونات الشعب لا في الضفة ولا في غزة ولا في الشتات وكأن ما يحدث اليوم في داخل الداخل الفلسطيني ليس جزءا من الداخل الفلسطيني، وكأن منظمة التحرير التي تأسست أصلا لتحرير هذا الجزء من الوطن قبل احتلال الباقي لا تمت بصلة الى هذا الجذر " وتتساءل هنيدة هل نسينا اصل الحكاية .. هل تحولنا الى شعوب فلسطينية عديدة، في الماضي هتفنا : "من سخنين لبيروت شعب واحد ما بيموت". وكانت هنيدة قد بدأت كلامها بهتاف : من المغار لام الحيران شعب واحد ما بينهان".
وكان أصدقاء من مخيمات سورية المنكوبة قد عبروا عن غضبهم مرات ومرات جراء تجاهل المكونات الاخرى- من فوق ومن تحت- لمعاناتهم المأساوية، وقد عبر صديقي عمر من مخيم اليرموك عن ذلك بمجموعة من التساؤلات : هل تدرون أن 3263 فلسطينيا/ ة قضوا أثناء الحرب السورية بينهم 447 فقدوا حياتهم اثناء التعذيب، و84 اعدموا ميدانيا؟ هل تعرفون ان 144 الف لاجيء ولاجئة غادروا سورية الى بلدان أخرى ، و280 الف تركوا مخيماتهم المدمرة وشبه المدمرة وشردوا مرة أخرى داخل سورية؟. هل سمعتم بأن 1146 لاجئا بينهم 81 فتاة وامرأة معتقلين في السجون السورية؟ وختم عمر كلامه بالقول : لماذا تصمتون على موتنا وجرحنا وقهرنا وكأن شيئا لم يكن؟ لماذا تتجاهلون ما حدث ويحدث لنا؟
وينتمي المزاج السلبي للجمهور الفلسطيني في الضفة وغزة و48 من ظاهرة الطعن والدهس الشبابية الى انكفاء المكونات وانعزالها عن بعضها البعض، وكذلك ينتمي عجز التنظيمات السياسية والمنظمة والسلطة عن نقل الظاهرة الفردية الى حيز الفعل الجماعي المنظم والاستثمار السياسي الناجع، إلى حالة الانعزال عينها.
يعود هذا الحال من انعزال مكونات الشعب الفلسطيني عن بعضها البعض، الى حالة من الاحباط واليأس من امكانية تحقيق الهدف الوطني المركزي كالخلاص من الاحتلال وإقامة الدولة، ومن الاخفاق في تحقيق أهداف أقل في مجال الوحدة الوطنية وتطوير المؤسسة، والتزام الديمقراطية، وتطوير التعليم، وإزالة التمييز ضد النساء (نصف المجتمع)، وخفض البطالة، ورفع مستوى المعيشة، وحماية المخيمات والجاليات الفلسطينية في الشتات وتحقيق المساواة للشعب الفلسطيني في مناطق 48 الخ. ثمة علاقة بين مستوى الانجاز وبين الحالة المعنوية والتضامنية للشعب في مختلف أماكن تواجده. الفشل يزعزع المعنويات ولا يدفع اصحابه لمد يد العون لآخرين. المكونات المصابة بالاحباط لا تساعد بعضها البعض والعكس صحيح، المكونات التي تحقق الانجاز هي التي تتضامن وتدعم الاخرين هذا يعني أن قطاع غزة والضفة الغربية والشتات يعيشون حالة من الاحباط واليأس، لكن مناطق ال 48 متحررة من الاحباط نسبيا، لذا نجدها تتضامن مع الضفة والقطاع وبمستوى اقل مع الشتات. يدافعون في أم الحيران وقلنسوة والعراقيب والنقب ويتضامنون مع القدس وغزة والخليل.
قد يقال يوجد تقدم وانجازات للمستوى السياسي كالقرارات الدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية والانضمام للمؤسسات والاتفاقات الدولية وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني، ويوجد انجازات للمجتمع المدني كحركة مقاطعة دولة الاحتلال. هذا صحيح ويجب رؤية كل عنصر قوة وكل تقدم والعمل على تطويره والافادة منه بالحدود القصوى، غير ان اي تقدم في مجال العلاقات الدولية لا يستقيم وقد يفقد جوهره بمعزل عن مناعة وقوة العامل الذاتي الفلسطيني. واكبر دليل على ذلك هو عدم قدرة المستوى السياسي في توظيف الانجاز لازالة حالة الاحباط او التخفيف منها، وفي توفير اللاحم بين المكونات ودفعها من موقع "المايسترو" لخوض المعارك السياسية والجماهيرية والمطلبية معا وتقاسم الانجاز والاخفاق.
الحالة الفلسطينية تحتاج الى مراجعة صريحة تطرح الاسئلة وتحاول تقديم إجابات وحلول. فلا يعقل ان تسود حالة العجز ويتقهقر ويتلاشى الانجاز في كل المستويات دون تدخل للتغيير. تتحدث الاكثرية عن استحالة وقف الاستيطان، وتحصيل حاصل استحالة انهاء الاحتلال، ولا أحد يعيد النظر في الفعل الفلسطيني الذي أخفق في وقفه وفي العوامل الأخرى التي ساعدت في تعميقه. ويتحدث السواد الاعظم عن فشل المفاوضات واستحالة نجاحها، دون إعادة النظر في السياسة المتبعة وإدخال التعديل المطلوب. ما اود قوله هو تحديد المسؤوليات، وعدم التسليم بالفشل كقدر لا فكاك منه. الاخفاق في إنهاء الاحتلال والاستيطان بالاعتماد على النشاط السياسي والدبلوماسي من فوق(النظام الدولي) فقط وتقديم كل التنازلات المطلوبة من النظام الدولي من طرف واحد ، يطرح ضرورة التغيير بالاعتماد على الفعل الجماهيري من تحت وعدم تقديم التنازلات من طرف واحد وإعادة بناء التحالفات مع (المجتمع الدولي) ومع القوى المناهضة للاحتلال والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي. ا
ويشمئز السواد الاعظم من بقاء حالة الانقسام على حالها، وتتحول الى لغز " يستحيل حل طلاسمه". رغم ذلك يستمر خطاب واتفاقات المتفاوضين وتستمر مساعي الوسطاء الدائمين والمؤقتين لحل الانقسام دون جدوى أو فائدة، ليتحول شعار إنهاء الانقسام الى وصفة سحرية للاحباط .
إن اخفاق المعارضة في استقطاب الناس لبرنامجها وبناء مسار سياسي بديل، واقتصارها على عرض طاقتها السلبية الرفضية، كان الوجه الآخر لاخفاق المسار السياسي الرسمي،إخفاقان توحدا في إخفاق مزدوج واحد زاد حالة الاحباط والسلب الجماهيرية إحباطا. وتحولت المعارضة العاجزة عن شحذ الطاقات الايجابية إلى جزء من الازمة وليس جزءا من الحل.
بقي القول أن الطريق الى تجاوز حالة التفتت التي تعيشها المكونات، وتجاوز عدم المبالاة وضعف المؤازرة وغياب الوحدة، والعودة الى التلاحم والتعاضد بين مكونات الشعب الواحد، هو طريق تغيير السياسات والاساليب التي قادت الى ذلك. والتغيير في العامل الذاتي يؤدي الى تغيير في العوامل الاخرى.