شمس نيوز/إسلام قاسم
قبل أن تأمر حكومة الاحتلال الإسرائيلي جيشها وطائراتها بوقف العمليات العسكرية بغزة قبل ثلاثة أسابيع، فيما عرف بعملية "الجرف الصامد" التي قتلت وأصابت من الفلسطينيين عشرات الآلاف وأتت على الأخضر واليابس، تركت صواريخها "الثقيلة" بصمة في ذاكرة الغزيين لا يمحوها التاريخ، بصمة لم يعهدها الفلسطينيون على مدار عقود الصراع مع الاحتلال منذ العام 1948، تمثلت في استهداف الأبراج السكنية، لا لشيء إلا بث الرعب في قلوب الآمنين من خلال سياسة العقاب الجماعي بعد نفاد الأهداف العسكرية للجيش الإسرائيلي.
ويعد "برج الإيطالي" مثالا حيا على قبح الاحتلال، وفاشيته منقطعة النظير، حيث قصفته طائرات الجيش الإسرائيلي بعشرات الأطنان من المتفجرات ليلة الخامس والعشرين من الشهر الماضي، مخلفة دمارا هائلا في المبنى والمباني المحيطة به، وذعرا واسعا في صفوف المواطنين من الأطفال والنساء والشيوخ.
وفي اليوم الذي سبق قصف برج الإيطالي، قصفت طائرات الاحتلال برج الظافر (4) جنوب مدينة غزة، والذي يضم نحو 45 شقة سكنية، وسوته بالأرض بعد استهدافه بصاروخين فقط أحدثا أصواتا ضخمة هزت أرجاء مدينة غزة.
كما قصفت طائرات الاحتلال بعد ساعات عمارة "زعرب" وسط مدينة رفح، والتي تضم المجمع التجاري الوحيد في المدينة، وأنهت هذا المسلسل المرير بقصف برج "الباشا" في شارع الجلاء ودمرته تدميرا كاملا بأربعة صواريخ شديدة الانفجار.
حدث لا ينسى
يتكون البرج الإيطالي، القائم في حي النصر غرب مدينة غزة، من 15 طابقا، ويحوي أكثر من 100 شقة سكنية ومكاتب ومؤسسات خدماتية , إضافة لمجمع تجاري يضم العديد من المحال التجارية، ويعتبر البرج من أضخم الأبراج في قطاع غزة .
وبحسب شهود عيان، فإن ضباط الشاباك الإسرائيلي اتصلوا على سكان البرج وبعض جيرانه عند الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 26/8/2014، وأبلغوهم بإخلاء المنطقة تمهيدا لقصفها.
ويوضح السكان الذين تفاجأوا من قوة القصف وحجم الدمار الذي خلفه، أن الطائرات الحربية الإسرائيلية المقاتلة من دون طيار أطلقت صواريخ تحذيرية أكثر من 4 مرات على البرج، تمهيدا لقصفه بالطائرات الحربية من نوع اف 16، وبعد دقائق فقط بدأت الانفجارات الضخمة تهز أرجاء مدينة غزة، حتى سمعها سكان وسط القطاع الذين يبعدون عشرات الكيلومترات عن مكان الاستهداف.
وبحسب خبراء ومتابعين، فإن إسرائيل استخدمت في قصف الأبراج بغزة صواريخ تدميرية من طراز GBU-28 أمريكية الصنع, والتي طورت خصيصا لتدمير المباني الضخمة.
ومما يجمع علية الخبراء, بأن اسرائيل ذهبت لخيار هدم الأبراج, بهدف الضغط على المقاومة والشعب, بعد إفلاس بنك أهدافها, وعدم قدرة الجيش على مجابهة المقاومة وجها لوجه.
خسرت كل شيء
المواطن محمد شبير، صاحب محل تجاري يقع أسفل برج الإيطالي, أوضح لـ"شمس نيوز" أنه سمع عبر الإذاعات نبأ استهداف البرج بصاروخ تحذيري, وفي هذه اللحظة طلب سيارة, وذهب مسرعا للبرج ووقف يراقب ظانا أن الطائرات ستقصف شقة بعينها.
وقال شبير: الصواريخ التي ضربت البرج لم نر أو نسمع مثلها من قبل, فقد كان الصوت شديدا جدا، ومن شدة القصف اضطررنا لإخلاء المنطقة خوفا على حياتنا, وفي اليوم التالي رجعنا للمكان, واذا بالبرج كومة من الركام وكأن زلزالا ضرب المنطقة, منظرا لن أنساه في حياتي".
وأضاف: أنا صاحب محل بقالة, ولي على سكان البرج ديون كثيرة، والآن من الصعب أن أطالبهم بما عليهم، فالعائلات تشردت, رغم أن التجار بعد فترة سيطالبونني بثمن بضاعتهم، ,المحل كان يسترني بعد الله تعالى، ولا أعرف ماذا أفعل؟".
أما المواطن محمد أبو ناجي، أحد أفراد الدفاع المدني، والذي شارك في إنقاذ وإخلاء الجرحى من محيط البرج الإيطالي، فقال لـ"شمس نيوز": في تمام الساعة 10:30 مساء اتصل بنا الشاباك، وطلب منا إخلاء برج الإيطالي من المدنيين, تمهيدا لقصفة في تمام الساعة 11:30، انطلقنا للمكان, وبدأنا بإخلاء سكان البرج والمنازل المجاورة, وفي تمام الساعة 11:15 تم قصف البرج بصاروخ تحذيري, تبعة صاروخان تحذيريان, وبعد عشر دقائق تم استهداف البرج بصاروخ أف 16 ثم لحقة صاروخ بعد خمسة دقائق.
واضاف أبو ناجي: بعد الاستهداف الثاني، وصلتنا مناشدة من منزل مجاور للبرج بوجود عدة إصابات فيه, على الفور توجهت قوة للمكان, ولكن فور وصول القوة تم استهداف البرج من جديد بالصواريخ، وسقطت أجزاء كبيرة منه على الأرض، فأصيب خمسة من أفراد الدفاع المدني, كنت أنا واحدا منهم وقطعت قدم أحد المسعفين, ونقل المصابون للمستشفى".
ليلة سوداء
ويروي المواطن أبو محمد شحيبر، أحد سكان البرج الإيطالي لـ"شمس نيوز" تفاصيل اللحظات الأخيرة التي مر بها وعائلته قبيل قصف البرج، مضيفا: في تمام الساعة العاشرة كنت في البيت كالمعتاد, كانت زوجتي تحضر وجبة العشاء, وإذ بأصوات مرتفعة تنادي وتدعو لإخلاء البرج, على الفور أخرجت الأولاد و زوجتي, لم يخطر ببالي أن يتم تدمير البرج بشكل كامل, كون السكان مدنيين, خرجنا بسرعة وتركنا كل شيء, وجلسنا في مكان آمن بعيدا عن البرج".
وأضاف شحيبر قائلا: كانت تلك ليلة سوداء في حياتي، لم أشاهد قبل ذلك مثل هذه الهمجية في القصف، الأصوات كانت مرعبة جدا, لنرى بعد انقشاع الغبار أن أجزاء كبيرة من البرج سويت بالأرض وأمست كومة من الحجارة، وكأن زلزالا ضرب المنطقة, كاد يصيبني الإغماء من هول المنظر".
وتكمل زوجة أبو محمد المشهد بالقول: 15عاما قضينها في البرج, كانت الأجمل، ربينا أولادنا وبناتنا وزوجنا بعضهم, أصبحت حلما في دقائق, لم يبق لنا شيء، لا عفش ولا صور ولا ملابس، حتى ما نملك من المال لم نأخذ منه شيئا, واليوم نحن مشردون من دار إلى دار, لا حول لنا ولا قوة إلا بالله".
تدمير اقتصادي
وفي حديث لـ"شمس نيوز" قال الخبير الاقتصادي د. معين رجب، إن عقيدة قصف الأبراج السكنية لها تداعيات وآثار خطيرة وكبيرة على كافة مناحي الحياة بغزة، خاصة وأنها تحمل أهدافا اقتصادية.
وأضاف: هذه الأبراج تؤوي مئات الأسر، وتكلفة إنشاءها عالية جدا، وتدميرها يلحق خسائر كبيرة بأصحابها, فيتحقق بذلك الإيذاء المباشر لسكان البرج, من خلال تدمير بيوتهم وشققهم وخسارة ثرواتهم الموجودة داخل الشقق.
وأوضح "رجب" أنه بقصف الأبراج يصبح المناخ الاقتصادي غير ملائم لمشاريع اقتصادية مستقبلية, وللمستثمرين، وسيشعرون بأن المنطقة غير آمنة, وسيبحثون عن أماكن للاستثمار خارج البلاد، ويفقد كثير من الشباب أماكن عملهم ووظائفهم، إضافة إلى أن إسرائيل تريد من وراء تلك السياسة الضغط على المقاومة وإحراجها من خلال جعل عشرات الأسر بلا مأوى".
وأردف بالقول: لا يوجد تكافؤ في العدة والعتاد والإمكانيات المادية والعسكرية, ومن الطبيعي بالنسبة للفلسطينيين أن يصبح الوضع لديهم أكثر حرجا، لأن الموارد محدودة، بخلاف الوضع بالنسبة لإسرائيل, التي هي منفتحة على العالم الخارجي, وتتلقى الدعم من دول العالم، ولديها ترسانة عسكرية كبيرة, وبذلك سيكون الوضع أكثر صعوبة على الفلسطينيين".