بقلم / د. وليد القططي
أن يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بسلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي على قطاع غزة فهذا أمر طبيعي ينسجم مع طبيعة الكيان الصهيوني الإرهابية، ويتسق مع سياسته العدوانية القائمة على العنف وإدامة العنف. ويأتي في سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل على فلسطين الأرض والإنسان. وأن ينهض الشعب الفلسطيني ليقاوم الاحتلال بكافة أشكال المقاومة المُتاحة له بما فيها الصواريخ فهذا أمر طبيعي أيضاً وفق كل الشرائع السماوية والأرضية، وبمنطق القرآن والتاريخ والواقع. أما أن تنطلق من غزة صواريخ مجهولة الهوية من حينٍ لآخر بطريقة عشوائية، وتسقط في مناطق مفتوحة خالية من السكان والمباني، يتبعها سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة فهذا أمر غير طبيعي ويحتاج إلى نقاش وتحليل.
من الواضح أن الكيان الصهيوني بحاجة إلى التصعيد العسكري ضد غزة من حينٍ لآخر، وبحاجة إلى إيجاد ذريعة للعدوان رغم مقدرته على ذلك بدون ذريعة، وذلك لتحقيق أهداف متعددة تأتي في مقدمتها: تدمير ما يُمكن تدميره من نقاط قوة للمقاومة في غزة كمرابض الصواريخ ومخازن الأسلحة والأنفاق الهجومية والدفاعية، وارباك تجهيزات واعدادات المقاومة الدفاعية، وذلك لإضعاف قدرة المقاومة على التصدي لأي حرب عدوانية قادمة. واستعادة قوة الردع للجيش الإسرائيلي التي تآكلت في حروب غزة السابقة، وتعزيز ثقة الجبهة الداخلية الإسرائيلية والمستوطنين الصهاينة بالجيش الإسرائيلي التي ضعفت في حروبه السابقة مع المقاومة، ورفع سقف الثمن الذي يدفعه الفلسطينيون شعباً ومقاومةً تدريجياً عقب كل صاروخ يُطلق على الكيان، لإيجاد قواعد اشتباك جديدة يفرضها العدو ويتعوّد عليها الشعب الفلسطيني.
من المحتمل عدم وجود أية صواريخ قد أُطلقت من غزة باتجاه فلسطين المحتلة 1948، وأن الموضوع كله مختلق من جيش العدوان الإسرائيلي لإيجاد الذرائع للاعتداءات الإرهابية لضرب أهداف أمنية وعسكرية للمقاومة غير قابلة للتأجيل، فيتم ضربها وتدميرها لإضعاف قدرات المقاومة في جولات الصراع التالية. وهذا الاحتمال أشار إليه موقع ( واللا ) العبري بقوله : " إن التصعيد الإسرائيلي جرى وفقاً لأولوية استراتيجية لدى الجيش ملمحاً إلى عدم وجود دلائل على اطلاق الصاروخ من غزة " .
ومن المحتمل أن هذه الصواريخ قد أُطلقت من قطاع غزة فعلاً بعد تفريغها من المتفجرات وتوجيهها لمناطق مفتوحة، وأن الذي أطلقها هم عملاء العدو بأوامر مباشرة من الأمن الإسرائيلي، أو عن طريق مجموعات تنظيمية وهمية تعمل بطريقة غير مباشرة دون علمها لصالح العدو، لتحقيق نفس الأهداف السابقة. وهذا الاحتمال أشار إليه المحلل العسكري الاسرائيلي ( أمير يوحبوط ) بقوله : " إن الجيش الإسرائيلي استغل الرد على إطلاق الصاروخ من غزة لتحقيق ما أعده مسبقاً في بنك الأهداف المُتاحة في غزة " . وهو ما أشار إليه القيادي في حركة حماس صلاح البردويل عندما كشف عن إمكانية تورط الاحتلال في إطلاق الصواريخ الأخيرة من القطاع بهدف تبرير تصعيده وعدوانه.
الاحتمال الثالث أن تكون هذه الصواريخ قد أُطلقت بواسطة مجموعات تتبع تيار ما يُسمى بــ (السلفية الجهادية) بمختلف مسمياته من باب مناكفة حماس والسلطة في غزة وإزعاجها (جكر) رداً على اعتقالات بعض أفرادها سابقاً والملاحقة الأمنية لهم، وبذلك يكون إطلاق الصواريخ لأسباب ليس لها علاقة بنهج المقاومة ومشروع التحرير، بل وخارج نطاق نضال الحركة الوطنية الفلسطينية ومشروعها الوطني، وبعيداً عن استراتيجية المقاومة وخط الجهاد، بل وقد يكون إطلاقها في إطار مشروع آخر مخرجاته تجسّد الصراع والشقاق في الساحة الفلسطينية كما جسدته في الساحة العربية. وهذا لا يعني نفي امكانية وجود حسن النوايا في إطلاق الصواريخ لدى بعض مُطلقيها بخلاف موجهيهم.
وختاماً فإن كانت هذه الصواريخ مجهولة الهوية فإن أهدافها معلومة، وفي كل الأحوال لا بد من استخدام سلاح المقاومة فيما أ [Anchor] عد له في إطار مشروع التحرير وبطريقة حكيمة تخدم المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، وفي إطار تكاملي مع حركة الشعب الفلسطيني الوطنية في إطار نهج المقاومة الشاملة، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه.