بقلم أ. محمد مشتهى
لا تفكروا أن الشعوب العربية والإسلامية تنام وتصحو تفكر بنا وبقضية فلسطين....فهم لديهم مشاكلهم وهمومهم التي من شأنها تنسيهم حتى إسم فلسطين. من ناحية أخرى الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية التي تدعم قضية فلسطين ومقاومتها أصبحت تشعر بعبء وإرتفاع الكُلفة جراء الدعم التي تقدمه...فهناك أنظمة تراجعت عن دعم المقاومة في فلسطين لأنها أدركت أنها تدفع بالمقابل ثمنا سياسيا وإقتصاديا باهظا نتيجة هذا الدعم، وليكن معلوما لدينا بأن الأنظمة التي تقدم الدعم للمقاومة في فلسطين فهي تدفع ثمنا سياسيا وأمنيا نتيجة هذا الدعم.
وفي المقابل، نحن لازلنا نعول على الشعوب العربية والإسلامية ونقول " العمق العربي والإسلامي"، وهنا يأتي السؤال خاصة في هذه المرحلة، هل تستطيع الشعوب العربية والإسلامية تقديم أي دعم لفلسطين بدون موافقة النظام أو على الأقل غض بصره؟ بالتأكيد لا يمكن لهذه الشعوب أن تقدم شيئا لفلسطين وخصوصا المقاومة بدون علم النظام الحاكم سواء كان هذا الدعم أموال أو قوافل او سفن أو حتى سلاح، فإن أراد النظام أن يغض الطرف فهذا بإرادته وإن لم يريد فلا يمكن أن يستمر هذا الدعم.
بقينا نلعن الأنظمة بدعائنا ومسيراتنا وصلواتنا طول حياتنا ورفعناها من قاموس خياراتنا السياسية حتى بتنا في صراع مزمن مع تلك الأنظمة، وفي المقابل كانت ولازالت "إسرائيل" تعمل على كسب تلك الأنظمة وتعمل ليلا ونهارا من أجل التعاون معها ضاربة بعرض الحائط لكل مشاعر شعوبها، فما كان "لإسرائيل" إلا أن تجد ما تريد....هذه هي سياسة "إسرائيل"، ترويض وكسب الأنظمة العربية والإسلامية وهي بالمناسبة لازالت تحقق المزيد من الانجازات وماضية في تلك السياسة.
ولو نظرنا إلى حالنا الفلسطيني المقاوم نجد بأننا نلعب ونلهو مع مع تلك الأنظمة وبأهداف مشوهة المعالم فتارة نهاجم نظاما بعنف وتارة أخرى نقدسه ونقدم له فروض الطاعة لكي يقف معنا ويخفف عنا ما نحن فيه...أي سياسة مراهقة هذه!!
هنا لا شيئ في السياسة إسمه نظام عميل بالكامل، فمن أراد أن يعمل بالسياسة فليبحث عن الجانب الذي يحقق فيه مصالحه التي تخدم قضيته فقط وألا يشتت أهدافه هنا وهناك.
إن الأنظمة دوما تبحث عن مصالحها، فإن تعارضت مصلحة نظام ما مع دعم قضيتنا فبالتأكيد سيختار مصلحته....وهنا مقصد الحديث....فإن المطلوب منا نحن الفلسطينيين أن نثبت لتلك الأنظمة وللشعوب أيضا بأن التعاون معنا كفلسطينيين هو مصلحة لكم أنتم أيضا ولن نكون يوما من الأيام عبئا عليكم، والمطلوب أن نحاكي كل نظام وكل مجتمع على حدة، فمثلاً: كيف يمكن أن تثبت وبالأدلة السياسية القاطعة أن إسرائيل تعمل ضد تلك النظام وأنها خطر عليه وتسعى إلى ضربه، وأيضا كيف يمكن أن تثبت للنظام ولشعبه بأن من مصلحته في التعامل معنا كفلسطينيين وأننا نحمي مصالحه ولا يمكن أن نكون يوما من الأيام ضده.
إن السعي لكسب الأنظمة ليس عيبا أو إتهام بالعمالة أو بالجبن، فالخطاب السياسي لكل نظام مهم، ومن السذاجة السياسية أن يكون هناك خطاب سياسي واحد لكل الأنظمة، فلكل نظام خصوصيته وخطابه الخاص، "إسرائيل" تجتاح العواصم العربية لأنها شخّصت إحتياجات كل نظام على حدة فأصبحت تخاطبهم فُرادى، فنجحت في نسج العديد من العلاقات وبدأت تجد حضورا شعبيا لها من خلال تلك الأنظمة .....الأنظمة التي نحن نعاديها ونكفر بعضها وندعو عليها من منابرنا.
ألم يأن الأوان لمراجعة سياساتنا الخارجية مع تلك الأنظمة وأن نتصالح معها بما يخدم قضيتنا العادلة وإلا سنبقى في أحلامنا غارقين منتظرين الشعوب لتنتصر لنا وفجأة سنصحو على تلك الشعوب وهي تنتصر للقمة عيشها ومصالحها رافعة علم التطبيع مع "إسرائيل".
"إسرائيل" من خلال اللوبي الصهيوني تقول لأمريكا دوما (إننا نحمي مصالحك الاستراتيجية في الشرق الأوسط وإننا سنكون أكبر مخزنا للسلاح والتطوير لخدمتك، وإننا مع سياستكم بكل حذافيرها) لذلك فإن أمريكا تقف وستقف دوما مع إسرائيل حتى أنها تعتبرها جزءا من أمنها القومي حتى وإن لم تصرح بذلك.
في المقابل نحن كفلسطينيين لا نعرف ولا نعي للأسف ماذا نريد، فالأنظمة التي تدعمنا منذ عشرات السنين لازلنا نلعنها، نأخذ منها الدعم ونلعنها، أي فهم وأي وعي سياسي هذا وأي عقل يمكن أن يتقبله!!، ما لنا نحن والسياسة الخارجية لتلك الأنظمة؟ فهناك العديد من الأنظمة التي لا تؤمن بوجود الله ترسل للفلسطينيين الدعم وتساند قضيتنا لأنها ترى بأننا على حق وليس لسواد عيوننا أو لأننا مسلمين، فهل نقول لها شكرا لا نريد دعمكم؟ نحن بحاجة إلى كل نظام وكل شعب لمواجهة الاحتلال الذي يشكل المشكلة الحقيقية والواقعية وألا نرهق أنفسنا بصناعة ومواجهة عدو محتمل، فهل من العقل والمنطق أن تترك عدوا أمامك يقتل ويسرق ويذل ويغتصب أرضك ثم تقول بأن محاربة العدو الفلاني أولى لأنه خطره أشد، أي منطق وأي وعي وأي عقل ممكن أن يتقبل هذا!! فالله عز وجل يقول في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) صدق الله العظيم .
فالاحتلال الغاصب ليس عدوا بجوارنا بل هو عدوا يسرق أرضنا ويذلنا ليلا ونهارا، فهل نتركه ونعتبره العدو رقم 2 ونستدعي عدو "محتمل" ونضعه رقم1.
أعتقد بأن هذا الذي يُراد لنا من قبل أعداءنا، أن نشغل أنفسنا بصناعة عدو بديل وأن نترك عدونا الرئيسي، كالذي يترك أرضه وبها الاحتلال ليذهب ليقاتل في معركة خارج أرضه لا يعرف من يقتل من وتكون بوصلتها تائهة.
المطلوب أن نهدأ قليلا وأن نركز جهودنا لأجل خدمة قضيتنا حتى لا نصحو لنجد أنفسنا بأننا أصبحنا وحيدين نقاتل بعضنا البعض ونلعن بعضنا البعض.