بقلم/هاني حبيب
سارعت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إلى إلقاء دلوها في الجدل المثار في إسرائيل على نطاق واسع بعد تسلم يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، القناة الثانية عادت إلى أرشيفها لتبحث عن تسجيل قديم لحوار أجرته مع السنوار العام 2006 خلال تواجده في السجون الإسرائيلية، هدف هذه العودة إلى الأرشيف، اختراق حالة التخوف والحذر والتحريض الذي ساد وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن خلال هذا الحوار، تؤكد القناة الثانية الإسرائيلية أن لا داعي لكل هذا اللغط، وتنقل عن السنوار قوله في المقابلة التي أجرتها معه "نعلم أننا حالياً" لا يمكننا تدمير إسرائيل لأنها تمتلك قوة كبيرة ولديها أكثر من 200 رأس نووي ولديها سلاح جو هو الأكثر فتكاً في المنطقة، لكن نحن لا نعترف بإسرائيل ولكننا على استعداد لقبول هدنة طويلة الأمد لتحقيق الهدوء والازدهار لأجيالنا في المنطقة.
إلاّ أن هذا المقتطف ـ الذي أشك في مصداقيته ـ لم يكن كافياً لإقناع المحلل العسكري في القناة ذاتها، روبي دانيال، بتناول المسألة بشيء من الهدوء والاطمئنان، متسائلاً فيما إذا كان اختيار السنوار لهذا الموقع سيدفع بقادة إسرائيل إلى أن يشغلوا تفكيرهم بطبيعة الرد من قبل حركة حماس في حال ردت إسرائيل عسكرياً على إطلاق صاروخ من قطاع غزة.. يقول دانيال: المرحلة القادمة هي مرحلة تصعيد، في تراجع عن الحال التي استمرت منذ 2014 إلى حالة مجهولة المعالم وأكثر غموضاً.
وحتى لو كان المقتطف الأرشيفي الذي نشرته القناة الثانية صحيحاً، فلا بد من أن نأخذ بالاعتبار أن هذا الحوار جرى مع معتقل قضى معظم محكوميته في الزنازين الانفرادية، إلاّ أن الأهم في هذا السياق، أن مياهاً كثيرة جرت في النهر منذ عشر سنوات، تخللتها ثلاث حروب، ومعادلات سياسية وعسكرية جديدة، واختلال نسبي في ميزان القوة العسكري، وإمكانيات إضافية ذات طبيعة عسكرية ـ أمنية زادت من قدرات حركة حماس، كان للسنوار دور أساسي في تطويرها.
أما فيما يخصنا نحن في فلسطين، فإن ما أثاره وصول السنوار إلى رئاسة حركة حماس في قطاع غزة، هو بالبداية تغييب واضح لما هو أكثر أهمية، ونقصد بذلك طبيعة العملية الديمقراطية التي تجلت في الانتخابات الداخلية لحركة حماس، انتخابات هادئة رصينة، سعت إلى التجديد، وانفضاض العملية الانتخابية بالالتزام الواضح والكلي بنتائجها، وهو أمر يسجل لصالح حركة حماس بالفعل.
البعض أشار إلى أن ما جرى ما هو إلاّ "انقلاب عسكري هادئ" قد يكون هذا صحيحاً، باعتبار أن العسكر بات مهيمناً على الحياة السياسية، من خلال تربع العسكري ـ الأمني السنوار على مقاليد الحكم في الحركة داخل قطاع غزة، إلاّ أن هذا القول لا يتمتع بالدقة المطلوبة، ذلك أننا نعتقد أن الجناح العسكري في حركة حماس كان هو الذي يقود الساسة الحمساويين، سواء لجهة العلاقات الخارجية للحركة، أو تفاعلات الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي، والأهم، قرارات الحرب والسلم، ونعتقد أنه ومنذ زمن ليس بالقصير، كان هناك قلب للمفاهيم السياسية التي تقوم على أساس أن العمل العسكري، الأجنحة العسكرية، الجيوش، تخضع لقرارات الساسة وتنفذها، في حركة حماس، كان الأمر على خلاف ذلك، ليس فقط بعد وصول السنوار إلى سدة القيادة السياسية للحركة في القطاع، وخلال معظم مراحل المواجهة السياسية في الداخل الفلسطيني والعسكرية مع الاحتلال، ما هو مختلف الآن، تصحيح للصورة السرية غير المعلنة، إلى العلن، ليس إلاّ!
ويظل سؤال المصالحة، هو الأهم على المستوى الداخلي الفلسطيني، أعتقد أن ليس هناك أي تغيير على الإطلاق، حماس من الناحية الفعلية لا تسعى إلى مصالحة، يتفق في ذلك، الحمائم والصقور، إن وجد مثل هذا التقسيم، لا أحد من أصحاب القرارات في الحركة إلى جانب إنهاء الانقسام ولا لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، تشكل هذه الأمور في إطار الشعارات ووضع العقبات أمام الاتفاقات عملياً، لماذا؟ الجواب يتعلق بالمبادئ والمصالح، والرؤية السياسية، يحيى السنوار لن يغير في هذه المعادلة التي يتفق عليها الجميع في قيادات حركة حماس، لن يكون أكثر تطرفاً ولا أكثر اعتدالاً، بل منفذاً لهذه السياسة الجمعية للحركة، خاصة في ظل انعدام الخيارات السياسية وفشل القيادة الرسمية الفلسطينية على كافة الأصعدة، السياسية منها على وجه الخصوص، بعد تجارب العملية التفاوضية التي لم ينتج عنها سوى استمرار الاستيطان وتغوّل إسرائيل تهويداً وتطهيراً للفلسطينيين في القدس المحتلة كما في عموم الضفة الغربية، ويمكن في هذا السياق أن نتذكر، أن وضعنا الفلسطيني قبل الانقسام كان أفضل قليلاً فقط من الوضع الحالي، المشكلة ليست في الانقسام، بل ببنية النظام السياسي الفلسطيني، إنهاء الانقسام ضرورة وطنية، إلاّ أنه ليس حلاً للمعضلات الفلسطينية!!