قائمة الموقع

خبر لم نستأذن حين أطلقنا الرصاصة الأولى ...!

2017-02-19T08:02:55+02:00

بقلم / أكرم عطا الله

لسنا لقطاء التاريخ .. ولم نأت بجناية ارتكبتها قوى الشر في ليلة مظلمة .. نحن هنا منذ الإنسان الأول والصوت الأول وموجة البحر الأولى التي كانت تكتب سيرتنا على صخور الشواطئ ... نحن هنا قبل كل أساطير خرافة طردنا من أرضنا والتي لم تتحقق لأن هنا شعبا لم يتمكن كل الغزاة بما يملكون من قوة من قطع حبله السري بأرض حبلى بالأبطال لم يتعب من طول المسيرة رغم فداحة الثمن.

هذه الأرض التي تكسرت كل رماح الغزاة على بواباتها ستقام عليها دولتنا وهذا ليس خيال عاشق أو نزوة كاتب لأن حقائق التاريخ أقوى من كل المؤامرات التي سكنت الغرف المغلقة ضد شعوب الأرض المقهورة،  فالتاريخ قال كلمته، «إذا الشعب يوما أراد الحياة» ولم يحدث أن انتصرت إرادة القوة على قوة الإرادة. فقد حاول الذين مارسوا غباء القوة لإخضاع شعوب قررت مصيرها مهما كان الثمن وكانت النهايات الطبيعية تجسد حكمة التاريخ، كلهم لعقوا هزائمهم ووضعوا ذيولهم بين أرجلهم هاربين ونحن لسنا استثناء لأن مخزون الإرادة لدى شعبنا الذي ينتظر استجابة القدر أقوى من كل الأسلحة.

فليتراجعوا عن حل الدولتين لأن شعبنا لها وهو يعرف أن الطريق طويل وشاق .. ليتراجعوا كما شاؤوا فشعبنا حين أطلق رصاصته الأولى لم يستأذن أحد في خطوة الألف ميل ولم ينتظر ترخيصا وهو يكتب سفر خروجه للكفاح الوطني مبكرا عندما كانوا يصدرون شهادة وفاته هنا، كان يعود كطائر الفينيق من رماد الشتات وخيام اللجوء البعيدة والقريبة يقرأ فاتحة النضال وكل وصايا الأنبياء لأجيال تتسلم الراية تباعا دون أن تسمح للصولجان أن يسقط.

من عز الدين القسام الموشح بكوفيته إلى وريثه ياسر عرفات حتى آخر من سقط على الدرب الطويل كانوا يتلون الوصية لمن بعدهم كتعويذة راهب يتأهب للخشوع على صوت مؤذن يأتي من بعيد صادحا «حي على الكفاح» ليأتي الرجال من كل فج عميق حاملين أرواحهم على أكفهم من أجل وطن وأرض عليها ما يستحق الحياة.

هكذا ولدت الحكاية بفطرتها الوطنية قبل أن تندفع إلى كل الأماكن وتزرع بالدم كل شبر في الوطن العربي، هكذا بدأت بمجموعة من الفتية آمنوا بوطنهم قبل أن يملؤوا العالم ضجيجا محاولين تصحيح خطأ التاريخ حتى لا يصاب بعطب يقلب معاييره التي صاغها بأنهار من الدم جرت في وديانه قبل أن تستقر على ضفاف الأمل وتتحرر الشعوب من أغلالها ومن جلاديها ومن محتليها ومستوطنيها.

هذا الشعب الذي أعاد استجماع ما تبقى من قوة وحولها إلى ثورة تشبه المعجزة لأن الشعوب كلها بقيت على أرضها فيما أن كان على الأوائل أن يبحثوا في هذا الوطن العربي الممتد عن بقايا الراحلين بقوة البطش والمؤامرة الكونية. كان ذلك أقوى امتحان لخيانة الجغرافيا وتواطؤ التاريخ وقد نجحوا بجدارة مدهشة أما بعد ذلك كان أسهل كثيرا وهذا لا يعرفه نتنياهو المصاب بعمى القوة .. من شعب تاه في الصحراء بلا مَنْ ولا سلوى إلى ثورة عاندت ما جرى من تجريف للماضي والحاضر وقاتلت في أشرس المعارك لتسجل أنبل صفحات المجد حين قالت في الكرامة: «لن تمروا»، ولم يمروا ... وقالت في بيروت :»نحن لها» وقد كانت.

إن هذا الكف الصغير الذي «لاطش» كل مخارز إسرائيل ومخالبها هو ما دفع دولة الاحتلال لأن تسافر باحثة عن حل الدولتين عندما بدأت تترنح من أطفال الحصى حتى من خلف حليفها الذي وقف نتنياهو مزهوا وهو يسدل الستار مع رئيسها في البيت الأبيض على حل الدولتين .. يبدو أنها تناست هذا التاريخ فذاكرة الاحتلال دائما قصيرة وإلا ما دفع كل هذا الثمن كي يستمر معاكسا لأبجديات الصراعات التي دارت على مسرح التاريخ من أندونيسيا شرقا حتى دول أميركا اللاتينية غربا كان الدرس واحدا وتشابه في الرسوب كل أغبياء التاريخ.

هؤلاء جميعهم تسلحوا بالقوة والتي كانت أضعف من أن تصمد أمام الإرادة، بل وأن جميعهم كان فائض قوته هي نقطة ضعفه الذي أطاح بكل هذا الجبروت الذي تبدى خلف الجبال، ولن يكون نتنياهو استثناء لكل الطغاة، فمن يعتقد أنه سيستمر للأبد في السيطرة على شعب بما يملك من سلاح يكون من الواضح أنه الأكثر فشلا في قراءة التجربة الإنسانية وأنه لم يدفع بعد ما يكفي من الدم والدموع كي يختصر مسافة الرحلة التي لن تكون نهايتها كما يحلم وإلا فتلك لوثة لن يقع فيها التاريخ.

الخوف الكامن ليس من الاحتلال الذي سيزول بلا محالة، فقد استخدم كل إمكانيات الكون وأحدث ما انتجته مصانع الأسلحة كي نندثر، أو نحترق، لكن الخوف هذه المرة منا نحن ...نخشى علينا منا ومما نفعله بنا ....أن نسجل ونحن في منتصف الطريق بأننا بدأنا نأكل بعضنا بلا رحمة وتلك على تضاد تام مع تاريخ كل الثورات .. لدينا شيء ما خطأ .. هناك فيروس دخل الجسد الفلسطيني وأنهكه وهذا هو الخطر المحدق أن نحترق من الداخل تمهيدا لانهيار ...هنا يجب أن تشتعل كل الأضواء الحمر.. ما من ثورة أكلت نفسها قبل التحرير وما من رفاق درب أطلقوا النار على انفسهم في الغابات وفي الجبال وإلا لكتبوا طول العمر للاحتلال.

هكذا يحصل عندنا، ارتكبنا جريمة كبرى وها هو الشعب يبتهل بصوت خافت قائلا كما قال فولتير يوما ما، «اللهم نجني من أصدقائي أما أعدائي فإني كفيل بهم»، وعندما نصل لهذه المرحلة علينا أن نعترف بأن كل الصوت الصادر عن قادة الاحتلال وكل هذا الاستيطان وتباعد الاستقلال لنا منه نصيب .. هل نعيد تصويب ذاتنا أم نمد الاحتلال بالحياة ؟.. هم ليسوا استثناء عن قبلهم ولكن نختلف عن قبلنا.

اخبار ذات صلة