بقلم / أشرف العجرمي
كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر يوم 19/2/2017 عن مبادرة قدمها وزير الخارجية جون كيري في اجتماع قمة إقليمي سري عقد بمشاركة كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى وزير الخارجية جون كيري في مدينة العقبة الأردنية في شهر شباط (فبراير) من العام 2016.
وتشمل هذه المبادرة ست نقاط: حدود آمنة ومعترف بها لدولتين إسرائيل ودولة فلسطينية متواصلة إقليمياً وقابلة للحياة على أساس حدود 1967 مع تبادل معين للأراضي، والاستناد إلى قرار التقسيم 181 للأمم المتحدة للاعتراف المتبادل( دولتين لشعبين)، والمقصود الاعتراف بيهودية إسرائيل، وتمنح كل دولة حقوقاً متساوية لمواطنيها. وإيجاد حل عادل ومنصف وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين يتلاءم مع حل الدولتين للشعبين ولا يؤثر على الصبغة الاساسية لإسرائيل، وحل متفق عليه لقضية القدس كعاصمة للدولتين باعتراف المجتمع الدولي وضمان حرية الوصول للأماكن المقدسة بموجب الوضع الراهن، وتوفير احتياجات إسرائيل الأمنية، وضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها، وضمان قدرة فلسطين على توفير الأمن لمواطنيها في دولة ذات سيادة ومنزوعة السلاح. وأخيراً، انتهاء الصراع ونهاية المطالب، وتطبيع العلاقات والتعاون الأمني الإقليمي، وفقاً لرؤية مبادرة السلام العربية.
وقامت الصحيفة المذكورة بكشف الخطة البديلة التي قدمها نتنياهو( هآرتس 20/2/2017) والتي تتمثل في قيام الفلسطينيين في البناء في مناطق (ج) في الضفة الغربية وإقامة مشاريع اقتصادية فيها وتطوير البنية التحتية في قطاع غزة، وتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بما في ذلك السماح بإدخال أسلحة أكثر تطوراً للسلطة. والتعبير عن موقف إيجابي من مبادرة السلام العربية والاستعداد للتفاوض حولها، مشاركة الدول العربية في مبادرة سلام إقليمية وحضور ممثلين عن دول مثل السعودية والإمارات ودول سنية أخرى للقاء قمة علنية مع نتنياهو، واعتراف أميركي في البناء داخل الكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل تجميد البناء في المستوطنات خارج الكتل، والحصول على ضمانات من إدارة أوباما للجم كل الخطوات ضد إسرائيل في مؤسسات الأمم المتحدة، واستخدام الفيتو الأميركي ضد القرارات المتعلقة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
تعمدت نشر كل البنود المتعلقة في مبادرة كيري ورد نتنياهو فقط من أجل معرفة كيف يفكر نتنياهو الذي تصفه بعض المصادر الإسرائيلية بأنه أضاع فرصة تاريخية لتغيير وجه المنطقة وتحقيق السلام والأمن والاستقرار لإسرائيل وجيرانها. والملفت للنظر في مشروع كيري هو أنه يستجيب لمطلب نتنياهو في التوصل إلى حل إقليمي للصراع يقوم على مشاركة الدول العربية المركزية بما فيها دول لا تقيم علاقات مع إسرائيل، وتشكل هذه الدول غطاءً لمفاوضات فلسطينية- إسرائيلية تؤدي في النهاية إلى حل الدولتين وتقدم سلفاً رصيداً لإسرائيل بالاعتراف بيهوديتها وبتطبيع العلاقات معها على أرضية الاتفاق على بنود مبادرة كيري. بمعنى أن كيري أراد أن يطمئن نتنياهو إلى النتيجة التي يريد مسبقاً وحتى قبل التفاوض.
مشروع نتنياهو البديل يقوم على فكرة واحدة وهي الاعتراف بالأمر الواقع والسماح لإسرائيل بالاستيطان والسيطرة على مناطق فلسطينية واسعة مقابل إعلان فارغ حول المبادرة العربية واستعداد للتفاوض على ما يبدو إلى مالا نهاية حول التسوية التي لن تتحقق. وهنا يكذب نتنياهو نفسه في أنه يسعى لما يسميه السلام الإقليمي، والذي بات يتلخص من وجهة نظره بالتطبيع الإقليمي ليس أكثر.
لقد كانت هناك فرصة تاريخية لنتنياهو أن يغتنم فرصة المبادرة الأميركية التي تذهب باتجاه إسرائيل أكثر من الجانب الفلسطيني وتحقق لنتنياهو كل ما كان يشترط ويدعي، خصوصاً وأنه كانت هناك فرصة لتغيير الائتلاف الحكومي بعد أن وافق رئيس المعارضة اسحق هرتصوغ على فكرة المشاركة في الحكومة على ارضية مشروع كيري، وتراجع نتنياهو الذي كان متردداً في الأصل لجهة القبول بحل تقوم فيه دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وأثبت مرة أخرى أنه ينتمي إلى فكر وأيدولوجيا يمينية متطرفة لا تؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني ولا ترى سوى اليهود في هذه البلاد وغير مستعدة لأي حل وسط حتى لو كان يحقق لإسرائيل مكاسب لا تعد ولا تحصى، ويدمجها في المنطقة كقوة إقليمية لها وزنها وتستطيع الاستفادة من السلام اكثر من أي دولة أخرى.
والمشكلة في ضياع فرصة نتنياهو وإسرائيل أن ما طرح لن يعود إلى الأجندة في المدى المنظور وفي عهد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب الذي يمنح إسرائيل الحرية في تقرير أي حل تريد، وهي بالتأكيد لن تذهب إلى حل الدولتين ولا إلى حل الدولة الواحدة بالمفهوم الديمقراطي الذي يتضمن مساواة بين المواطنين وبين الشعبين. فترامب الذي يتعامل مع كل مشاكل المنطقة في إطار الصفقات التجارية لا يرى العالم العربي بأي منظار سوى أنه مصدر للمال الذي يجب أن تجبيه الولايات المتحدة التي باتت تتعامل مع حلفائها العرب باحتقار شديد، وهذا ما ظهر في تصريحاته الأخيرة حول دول الخليج التي ينبغي عليها الدفع مقابل وجودها والحماية التي تقدمها الولايات المتحدة. أي أنه يرى فيها ليس أكثر من مجرد عبيد يخضعون للسيد الأعظم.
في ظل هذا الواقع لا يوجد ما هو أهم لفعله من ترتيب أوراقنا الداخلية تعزيز قوتنا وتجميع طاقاتنا فمعركتنا طويلة ومضنية مع الاحتلال ومع حلفائه الجدد – القدماء. ولن تقوم لنا قائمة ولن يحترمنا أحد ويقدرنا إذا لم نقم بأمرين كضرورة قصوى وهما: إنهاء الانقسام والقضاء على مظاهر الفساد وسوء الإدارة. والحقيقة المؤلمة في واقعنا أننا لا نستطيع أن نخفي حقائقنا عن العالم الذي يضعنا تحت مجهر كبير ويرى كل تفاصيل حياتنا. ولكننا للأسف لا نزال بعيدين جداً عن القيام بواجباتنا البيتية، وبالتالي مطالبتنا للعالم بالوقوف إلى جانبنا وهي حق لنا نطلبه لن تكون مجدية ولن تؤخذ على محمل الجد بدون أن يرى العالم استعدادنا الذاتي حتى لو حصدنا الاعترافات والقرارات الدولية المتكررة، فهناك فرق بين التعبير عن المواقف النظرية وبين الفعل الحقيقي لتغيير الواقع.